محمد صفوت
لو لم يكن للفن رسالة واضحة ذات تأثير قوي في بناء الإنسان والمجتمعات.. فما فائدته؟
هذا ما تطبقه نجمة المسرح شذى سالم ، والتي كل من تابع أداءها كبطلة مسرحية “سيرك” من الجمهور المصري إلا واطلق عليها سميحة أيوب النسخة العراقية.
ملهمة المسرح في العراق نالت عن جدارة لقب أفضل ممثلة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بالإجماع ، ونال زميلها في بطولة مسرحية “سيرك” الممثل العراقي علاء قحطان جائزة أفضل ممثل ونال جواد الاسدي جائزة أفضل نص عن ذات المسرحية.
لذا كان من الواجب عمل حوار صحفي مع المبدعة شذى سالم عقب استلامها للجائزة مباشرة.
مبروك عليكي جائزة أفضل ممثلة .. لمن تهدين هذه الجائزة؟
طبعا جائزة مهمة من مهرجان كبير بقيمة مسرح القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ، سبق أن ترشحت للجائزة مرتين سابقا ، الترشيح أيضا شبه فوز ، الجائزة أتت في وقت مهم لأنني أريد أهديها لغزة الْمُدَمِّرَة الجريحة ، لأن هذا الجرح والألم الكبير في غزة اكبر واهم من أي حدث ، ما زال العدوان الصهيوني يدمر منازل سكنية كبيرة في قطاع غزة وبسبب ذلك فقدنا الكثير من الضحايا ، يمكن ما نقدمه الان لهم شيء بسيط لكن نحاول نقدم ما نستطيع فعله ، يجب أن نقدم أصواتنا وندعم هذا الشعب الجريح لما يحدث له من ألم كبير.
الرسالة التي قمتي بتقديمها في مسرحية سيرك كانت رسالة مسرحية نموذجية ، ما الذي كنتي تهدفين له منها تحديدا؟
احرص في أعمالي المسرحية كممثلة وحتى كأستاذة جامعية ادرس في الجامعة في بغداد على تقديم رسالة ومعاني إنسانية بحتة ليس لها علاقة بجوانب السياسة وخفاياها ، رسالتنا في هذه المسرحية تسليط الوضع على ما يحدث في الوطن العربي وتحديدا في غزة ، ممكن نحن مررنا في العراق بظروف صعبة لكن لا يمكن مقارنتها بما حدث في غزة ، المشهد الأخير في المسرحية تم تمثيله بوجع غزاوي ، وبوجع كل ما يحدث في فلسطين وبوجع الالم ، الآن ما يحدث في غزة من قمع ينفذه الإحتلال الصهيوني ، هو احتلال الإنسانية واحتلال العقل واحتلال الثقافة ، هم يريدون محو تاريخ بلد كامل ، ليس سهل تقديم هذه الأمور على خشبة المسرح ، الفنان المسرحي يجب أن يكون ثورجي لأبعد حد ممكن تقديمه في طرحنا ، ولا اقصد هنا الثورة المباشرة بمعناها لكن يجب توصيل فكرتك ومعاناتك بطريقتك حتي يستطيع المشاهد أن يتناغم مع العرض ويفهم ما يحدث وللتذكير بالوجع ، أجمل ما في المسرح أنك على علاقة مباشرة مع الجمهور ، هذه العلاقة المباشرة تخلق نوع من التحدي ومحاولة تحسين نفسك دوما ، يعني مثلا أنا في عرض اليوم الأول من السيرك في مصر هناك بعض الأفيهات البسيطة الناس فهموها بشكل أولي لكن في اليوم الثاني حاولت اقدم لهم ما هو افضل واسهل في جانب الضحك فتفاعلوا معها بشكل مختلف لأنها تقوم على الكوميديا السوداء.
اكثر المشاهد الكوميدية في المسرحية كان الذي جمعك بالكاتب ، وبرغم جدية المسرحية لكن هذا الجزء بالتحديد كان فيه خلط ما بين الكوميديا والتراجيديا؟
هو موقف سوداوي ومبكي ، وشر البلية ما يضحك ، لأن المسرح دائما يعبر عن وجع الإنسان وعن المجتمع.
مسرحيتك “سيرك” حصلت على ثلاثة جوائز وتم ترشيحها ضمن أفضل ثلاثة في جائزة أفضل مخرج ضمن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، كيف حرصتم كطاقم عمل على تقديم عمل جريء قوي نال استحسان الجميع ؟
اكثر ما أسعدني حضور الجمهور المصري بكثافة لأنه جمهور متشبع بأعمال كثيرة ، وبما أن نسبة الحضور الجماهيري المصري كان قوي فهذا اكبر دليل على أننا قدمنا عملا جيدا تابعه النقاد والصحفيين وكل أطياف المجتمع المصري ، ولهذا سعدت أن الرسالة وصلت لهم كما يجب أن يكون.
كل من تابع أداءك في مسرحية “سيرك” وبالتحديد من المصريين قال عنكي “سميحة أيوب النسخة العراقية” ، كيف رأيتي هذا الطرح من الجمهور المصري؟
طبعا افتخر بهذا الأمر لأنها سيدة المسرح العربي وكثيرا ما التقيت بها وكانت صديقة غالية ، الله يرحمها كانت قدوة لي وكانت قائدة وسط الأشواك ، أول امراءة تكون مديرة المسرح القومي لسنوات طويلة ، متعددة الأدوار وكان لها قوة وهيبة تسعدني جدا ، ولا انسى بالمناسبة المخرج صلاح ابو سيف حينما كنت ممثلة معه في فيلم القادسية ولقبني بأسم “فاتن حمامة العراق” ، كنت حينها في بداية مشواري الفني وكانت نقلة كبيرة في مسيرتي المهنية ، سعدت حينها بالتمثيل مع عمالقة مثل عزت العلايلي وسعاد حسني.
هناك تقارب كبير بين الشعبين العراقي والمصري سواء بالمشاعر أو الحضارة أو التاريخ ولدينا قواسم فكرية مشتركة.
لو تم تسهيل عمل مسرحي لكي تكتبيه بنفسك وتكوني انتي بالطبع بطلة هذه المسرحية ولا يكون عليها رقابة مطلقا سواء في العراق أو في أي دولة ، في أي قضية تحبي أن تكون هذه المسرحية؟
أنا غير مؤمنة بالانفصال بين الرجل والمرأة ، فالرجل يكمل المرآة دائما في الحياة ، لكن دائما أحب المرأة القوية والمرأة المتحدية والمرآة التي تحافظ على موقفها وتريد تقديم شيء مختلف ، وسبق أن طرحنا اعمال من هذه النوعية وقدمناها في مهرجان إيزيس في مصر العام الماضي مع الدكتورة عواطف نعيم وكنت أنا بطلة المسرحية التي تحدثت بقوة عن المرآة ، اريد اتكلم أكثر عن قضايا المرآة العربية لأنها تحتوي المجتمع ولأنها احيانا تكون مظلومة ويقع عليها الكثير من المسئوليات ، ولأن المجتمع دائما يدور حول المرآة ، لست كاتبة لكن لدي افكار تتحدث عن المرآة المتحدية وتدافع عن نفسها في كل الظروف وتشتغل كل شيء بما يناسبها ، وأتمنى أن أقدم في هذه الفكرة كل قضايا المرآة وانماط مختلفة من المرآة.
أتمنى ايضا تقديم أعمال مشتركة بين فنانين عرب من دول مختلفة ، فأنا اشتغلت في مصر والإمارات وقطر والأردن في أعمال مشتركة ، هذه الأعمال تروق لي لكن امنيتي الأكبر لو حدث و اقمت خارج العراق أن أقيم في مصر واقدم أعمال بقيمة حبنا لمصر كبلد حاضنة للفن العربي دائما ودوما.
احب اقدم في كل عمل ما هو جديد وجريء وله رسالة ، ثم في العمل المقبل أتمنى ايضا ان يكون بنفس القوة.
لماذا تبتعدين عن الدراما العراقية وعن السوشيال ميديا ؟
بالطبع انا بعيدة كليا عن السوشيال ميديا التي أراها بعيدة عن كل مجالات الفن سواء السينما أو المسرح ، وليس لدي حساب على الفيسبوك ، انا لا احب الكلام على الآخرين والمهاترات ولا أؤمن بمواقع التواصل الاجتماعي ، اتواصل مع الناس عن طريق التليفون أو البريد الإلكتروني أو تطبيق الواتس , بريق السوشيال ميديا لا يستهويني فهي تأخذ الكثير من الوقت وبعض الناس تشتهر بطريقة سمجة فأجد بعض الناس يصورون أنفسهم وعائلاتهم وهم يأكلون وهم في نزهة عائلية وهي أمور لا تناسبني إطلاقا ، بخصوص الدراما العراقية تخرج اعمال حاليا لا ترتقي في المضمون كما كان يقدم سابقا وأصبحت الموضوعات مستهلكة ، والمشكلة عندنا شركات الإنتاج العراقية لا تتحمس للمضمون الدرامي ولكن تتحمس للشكل التجاري ، الآن مسلسل تركي يتم دبلجته للغة العربية وبعدها يتم تقديمه بنسخة لبنانية طبق الاصل تقريبا من فكرة المسلسل التركي ثم نجده مرة ثالثة بنسخة عراقية ، والغريب أن هذه المسلسلات التركية لا تناسب طبيعة مجتمعنا وليس كل ما يخرج على التلفاز في المسلسلات التركية يصلح لتقديمه في مسلسلات عربية ، الآن الناس في العراق يتابعون مرة أخرى المسلسلات العراقية القديمة لأنها كانت تبحث عن المضمون وتهتم به ونفس الأمر بالنسبة للمسلسلات المصرية ، يعني انا معجبة جدا بمسلسل ليالي الحلمية ، هناك أعمال جيدة حاليا في مصر فأنا مثلا معجبة بمسرحية الملك لير للفنان يحيى الفخراني التي شاهدتها واعجبتني المسرحية جدا لمضمونها الرائع ، وللأسف طغى الجانب التجاري على المضمون في العراق فالمنتجون يريدون مشاهير الفيسبوك والتيكتوك لأنهم يحققون مشاهدات عالية ويجعلوهم أبطال ، كيف اكون بجانب فنان أو فنانة لا تعرف شيء عن التمثيل والفن وكل مؤهلاتهم أنها فقط مشهورين في السوشيال ميديا.
مسرحية “سيرك” من إنتاج الفرقة الوطنية للتمثيل التابعة لدائرة السينما والمسرح بالعراق ، تأليف وإخراج الدكتور جواد الأسدي الذي صرح بعد الجوائز المتعددة التي نالتها المسرحية في حفل ختام المهرجان قائلا : “فكرة المسرحية ولدت من جحيم تعيشه بعض المدن العربية حيث يتم هدم دور العبادة ومؤسسات الفن والترفيه ، المسرحية في مجملها بمثابة صرخة فنية مدوية في وجه الاستبداد الذي يسود عالمنا لتعرية الهمجية التي يرسخها فاشيون يبتكرون طرقاً حديثة في تحطيم المدن العربية واحدة تلو الأخرى”
مسرحية “سيرك” تم عرضها ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الثانية والثلاثين ، وحظي العرض بالإعجاب من الكبار والشباب لما حملته من رؤية إبداعية صارخة بالوجع وأداء مسرحي نموذجي ليكون العرض الفني الذي أستحق الإشادة وجدير بالإعادة.