كتب: محمود أحمد
بعد الضربات الإسرائيلية على إيران، بات العالم على شفا حفرة من اندلاع حرب إقليمية، وبعد رد إيران الأول مساء يوم الجمعة، ثم ردها الثاني في السبت 14 يونيو، اتجهت جميع الأنظار إلى سلامة الطيران وفعالية الرحلات الجوية في الشرق الأوسط وحول العالم، والتي أدت إلى اضطراب فوري وغير مسبوق لعصب الاقتصاد العالمي «الملاحة الجوية»، لا سيما أن الشرق الأوسط الذي يعد الممر الأقوى حيوية والأكثر أهمية بات شبه متوقف، فإلى أين يتجه مصير الملاحة الجوية العالمية؟
توقف الملاحة الجوية
تسببت الهجمات الإسرائيلية على إيران في إغلاق العديد من المجالات الجوية بشكل مؤقت في الشرق الأوسط الذي يعتبر نقطة عبور حيوية بين أوروبا وآسيا، حيث أغلقت إسرائيل، وإيران، والعراق، والأردن أجواءها بالكامل بعد الهجمات، واضطرت شركات الطيران الدولية الكبرى مثل «الإمارات، الاتحاد، الخطوط الجوية القطرية، لوفتهانزا، الخطوط الجوية الفرنسية، KLM، دلتا، إل عال، والخطوط الجوية الهندية» إلى تحويل مسارات رحلاتها لتجنب الأجواء فوق إيران والعراق وإسرائيل، متجهة نحو آسيا الوسطى أوالسعودية ومصر.
وأدى ذلك إلى تعليق جميع الرحلات الجوية القادمة والمغادرة والعابرة، وأوضحت هيئات الطيران المدني في هذه الدول أن الإغلاق جاء كإجراء احترازي لضمان سلامة الطيران المدني وفقا لاتفاقيات الطيران الدولية.
وأكد الاتحاد الدولي للنقل الجوي «IATA» بصفته الممثل التجاري الرئيسي لشركات الطيران، أن التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط تُضاف إلى قائمة متزايدة من مناطق النزاع حول العالم، مما يُجبر شركات الطيران على تغيير مساراتها بشكل مكثف.
وصرح ويلي والش، المدير العام لـ IATA، أن «هذه الرقعة المتزايدة من المجال الجوي المقيد تضع ضغوطًا هائلة على شركات الطيران والركاب على حد سواء»، وفقا لـ The National.
ارتفاع في أسعار تذاكر الطيران.. بماذا تسبب تحويل المسارات الجوية ؟
أدى تحويل المسارات الجوية، إلى زيادة زمن الرحلات، وزيادة استهلاك الوقود، وبالتالي زيادة تكاليف التشغيل بشكل ملحوظ، وتبعا لذلك يتم تأخير الرحلات وإلغائها أيضا.
وفي هذا السياق، أشار «IATA» إلى أن تحويل المسارات الجوية أدى إلى زيادة كبيرة في المسافات المقطوعة، واستهلاك الوقود، وبالتالي ارتفاع الانبعاثات الكربونية، موضحة أن التحويلات حول مناطق النوقد تزيد متوسط استهلاك الوقود بنسبة 13% على المسارات المتأثرة ، مما يُؤثر سلباً على ربحية شركات الطيران وقد يُترجم ذلك إلى ارتفاع في أسعار تذاكر الطيران للمستهلكين.
توقف المطارات الرئيسية وإلغاء الرحلات
بعد الهجمات الإسرائيلية على إيران شهدت المطارات الرئيسية في المنطقة شللا واسعا في حركة الطيران، حيث تم إغلاق مطار بن جوريون في «تل أبيب» بشكل تام، ومثله أيضا إغلاق مطار الإمام الخميني «طهران»، كما أغلقت المطارات العراقية وتوقفت حركة الطيران فيها، التي تعد ممراتها الجوية الأكثر ازدحاما بين أوروبا وآسيا، بالإضافة إلى أن العديد من شركات الطيران ألغت أو علقت رحلاتها المتجهة إلى مدن مثل عمّان، بيروت، دمشق، بالإضافة إلى إيران وإسرائيل.
ولذلك، أصدرت إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية «FAA»، إشعارات للطيارين تحذر من المخاطر المحتملة على الطيران المدني في المجال الجوي لعدة دول في الشرق الأوسط، منهم إيران «طهران»، العراق «بغداد»، إسرائيل «تل أبيب»، الأردن «عمان»، ولبنان «بيروت».
وأشارت التحذيرات إلى أن العمليات العسكرية المستمرة تشكل خطراً كبيراً ليس فقط على المجال الجوي لإيران وإسرائيل، ولكن أيضاً على الدول المجاورة المتأثرة بالعمليات العدائية والأنشطة العسكرية المرتبطة بها، بما في ذلك عمليات الاعتراض.
وحذرت إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية «FAA» بشكل خاص من مخاطر التشويش على أنظمة الملاحة «GPS jamming» وسوء تحديد الهوية «misidentification» من قبل أنظمة الدفاع الجوي، وفقا لوسائل إعلام عالمية.
يذكر أن شركة طيران الإمارات ألغت رحلاتها من وإلى العراق، الأردن، لبنان، وإيران، وأيضا ألغت الخطوط الجوية القطرية رحلاتها إلى إيران والعراق وسوريا، واضطرت بعض المطارات الإقليمية، مثل مطار القاهرة الدولي، لاستقبال طائرات أجنبية للتزود بالوقود بعد تعديل مساراتها نتيجة إغلاق بعض المجالات الجوية المجاورة.
وبالنسبة لبعد القانون الدولي دعت منظمة الطيران المدني الدولي «ICAO» بصفتها المشرع العالمي لمعايير الطيران، جميع الدول والأطراف المعنية إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب أي تصرفات من شأنها أن تُعرّض سلامة الطيران المدني للخطر، مشددة على أهمية الحفاظ على حياد المجال الجوي [موقف ICAO العام خلال الأزمات، وفقا لوسائل إعلام عالمية.
وأكدت «ICAO» على ضرورة التزام جميع الدول الأعضاء بالمعايير والممارسات الموصى بها «SARPs» المتعلقة بأمن وسلامة الطيران، خاصة في مناطق النزاع.
وشددت «ICAO» على اعتراضها استخدام المجال الجوي المدني لأغراض عسكرية غير مشروعة أو أي إغلاق للمجالات الجوية كإجراء انتقامي، مشيرة إلى أن ذلك يُجزّئ الاتصال العالمي، ويُعطل العمليات، ويضر بالركاب والاقتصادات.
العالم على حافة الهاوية
ويتضح لنا من خلال التقارير السابقة، أن الاضطرابات في حركة الملاحة الجوية تسببت في تراجع أسهم شركات الطيران والسفر، مما يعكس مخاوف المستثمرين من استمرار هذه الاضطرابات وتأثيرها على الربحية، كما أن ذلك يهدد الملاحة الجوية العالمية، ليس فقط على مستوى الإزعاج والتأخير، بل على مستوى السلامة الاقتصادية والأمنية لقطاع الطيران بأكمله، وبالتالي يتطلب الأمر يقظة ومراقبة مستمرة من قبل السلطات والهيئات الدولية لضمان سلامة المسافرين وتخفيف الآثار السلبية، بالإضافة إلى مسؤولية المجتمع الدولي وكافة الدول في تهدئة التوترات بين الجانبين، وإجلاسهما على طاولة المفاوضات للوصول إلى اتفاق للتسوية، بدلا من الانجرار وراء العنف والانصياع خلف كبرياء القوة الذي سيتسبب في حرب عالمية ستكون سببا في ضياع العالم كله.
وحتى هذه اللحظة لا زالت التواترات قائمة والضربات القاصمة على أماكن الدفاع ومراكز القوة لدى الدولتين مستمرة، استطاعت إيران التعافي بسرعة من الضربة المدمرة لإسرائيل في 13 من يونيو 2025، ويتضح أن إسرائيل باتت تنادي الولايات المتحدة ومعظم حلفائها لمساعداتها، لا سيما أن الوضع اختلف تماما، فلم تعد إسرائيل تحارب مجموعة من مقاتلي حماس المدربين بشكل غير نظامي، وإنما اختلف الوضع، الأسلحة الإيرانية عالية المستوى وذات فعالية قوية، الجيش الإيراني كذلك قوة لا يستهان به وضمن أقوى 20 جيشا في العالم، ولذلك كل السيناريوهات متاحة ومتوقعة، ولا يمكن الجزم بأي احتمال، أو التأكد من أي ردة فعل في الوقت الحالي، ويبقى السؤال الذي تصعب الإجابة عليه يوما بعد يوم منذ بداية حرب غزة، إلى أين يتجه العالم؟