قانون الإيجار القديم يشعل الجدل من جديد.. بين “حق المالك” و”أمان المستأجر”

عبد الرحمن السيد

في خطوة تشريعية جديدة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط النيابية والسياسية والاجتماعية، وافقت لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري على مشروع قانون الحكومة بشأن تنظيم العلاقة الإيجارية للوحدات القديمة، تمهيدًا لعرضه على الجلسة العامة.

القانون الذي طال انتظاره لسنوات، يعيد فتح ملف شائك ظل مجمدًا لعقود، ويثير انقسامًا واضحًا بين من يرونه انتصارًا للملّاك، ومن يعتبرونه تهديدًا لاستقرار ملايين المستأجرين، خصوصًا من الشرائح غير القادرة وكبار السن.

7 سنوات سكنية و5 سنوات تجارية.. خريطة الإخلاء الجديدة

وفقًا لنص المشروع المعروض، تبدأ فترة انتقالية لإخلاء الوحدات السكنية المؤجرة قديمًا لمدة 7 سنوات، تنتهي بعدها العلاقة الإيجارية تلقائيًا دون حاجة لحكم قضائي. وبالنسبة للمحال التجارية، تحدد الفترة بـ5 سنوات فقط.
وينص القانون صراحة على تحرير العلاقة الإيجارية بعد نهاية هذه المدد، بما يعيد “حرية التعاقد” إلى سوق الإيجار، وهو ما اعتبرته الحكومة تصحيحًا لوضع غير عادل استمر منذ خمسينيات القرن الماضي.

زيادات كبيرة في القيمة الإيجارية

من أبرز ملامح المشروع المقترح أيضًا، زيادة القيمة الإيجارية بنسب وصفها البعض بـ”الكبيرة”، حيث تنص على:

20 ضعفًا لقيمة الإيجار للوحدات السكنية في المناطق المتميزة، بحد أدنى 1000 جنيه شهريًا.

10 أضعاف للوحدات في المناطق المتوسطة والاقتصادية، بحد أدنى 400 جنيه، و250 جنيهًا كحد أدنى للمناطق ذات الطبيعة الاقتصادية فقط.

بالنسبة للمحال التجارية: زيادة القيمة الإيجارية 5 أضعاف.

بالإضافة إلى زيادة سنوية ثابتة بنسبة 15% لجميع العقود المشمولة بالقانون.

وتقوم لجان حصر وتقييم بتحديد طبيعة المناطق (متميزة – متوسطة – اقتصادية) في كل محافظة، على أن تنهي أعمالها خلال 3 أشهر.

استحداث حالات للإخلاء.. وربط بالوحدات البديلة

في إطار تنظيم العلاقة الجديدة، استحدث القانون حالات تجيز إخلاء العين المؤجرة خلال فترة العقد، مثل:

إذا ثبت ترك المستأجر الوحدة مغلقة أكثر من عام دون مبرر.

إذا امتلك المستأجر وحدة أخرى سواء سكنية أو تجارية.

كما ألزم الدولة بمنح أولوية للمستأجرين القدامى حال الإعلان عن وحدات تمليك أو إيجار بنظام الإسكان الاجتماعي أو المتوسط، في محاولة لتخفيف الأثر الاجتماعي المحتمل من تطبيق القانون.

دعم حكومي.. واعتراف بتغير الظروف

خلال مناقشة المشروع بلجنة الإسكان، قال المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، إن الحكومة حرصت على حضور كل جلسات الاستماع، واستجابت لمقترحات عديدة.
وأضاف أن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية عام 2002 شكّل أساسًا لصياغة التشريع الجديد، خصوصًا فيما يتعلق بتقليص الامتداد القانوني لعقود الإيجار.

وأشار فوزي إلى أن القانون ليس انتصارًا لطرف على حساب آخر، بل محاولة لتحقيق توازن بين حقوق المالك والمستأجر، مؤكدًا أن “الدولة تتحمل مسؤولياتها وتمنح فترة انتقالية عادلة قبل إنهاء العقود”.
وشدد على أن الظروف الاجتماعية التي فرضت قوانين الإيجار الاستثنائية قد تغيرت، وأصبح المعروض السكني كافيًا نسبيًا، وهو ما يفتح الباب أمام إعادة تنظيم السوق العقاري.

المؤيدون: تحرير العلاقة الإيجارية ضرورة لتصحيح الوضع

من جانبه، اعتبر النائب أحمد الشرقاوي أن القانون الجديد استجاب لبعض المطالب، وتجاهل أخرى، إلا أنه أقر بأهمية إعادة النظر في منظومة الإيجار القديمة التي حرمت الملاك من استثمار ممتلكاتهم، وخلقت فجوة قانونية واجتماعية.

الشرقاوي قال في اجتماع اللجنة: “أتفق مع الإخلاء لمن يمتلك أكثر من وحدة، لكن لابد من مراعاة من لا يملك سكنًا بديلًا، خاصة من كبار السن، ومن لا يستطيعون الانتقال إلى مناطق جديدة تبعد عشرات الكيلومترات عن أماكن سكنهم الأصلي”.

ورأى بعض المؤيدين للقانون أن استمرار الوضع الحالي يهدد عدالة توزيع الموارد ويكلف الدولة والمواطنين خسائر ضخمة، خصوصًا مع بقاء آلاف الوحدات بسعر إيجار متدنٍ منذ السبعينيات والثمانينيات، بينما تتضخم أسعار السوق.

المعارضون: القانون يهدر حقوقًا دستورية ويقسم المجتمع

على الجانب الآخر، هاجم عدد من النواب مشروع القانون، معتبرين أنه يمثل انحيازًا واضحًا لصالح فئة على حساب أخرى.

وقال النائب عاطف المغاوري، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، إن المشروع لا يختلف عن مقترحات سابقة وُصفت بأنها “قانون الملاك”، مشيرًا إلى أن الحكومة مارست ما وصفه بـ”خداع الحوار المجتمعي”، وعادت لتقديم نفس النصوص القديمة باسم جديد.

وفي هجومه الحاد، قال المغاوري لـ نافذة الشرق: “الحكومة غير مخلصة ولا أمينة على مصالح الشعب، وأحدثت بهذا القانون شرخًا في المجتمع المصري لم يكن يحلم به أعداء الدولة… القانون يُعلي فئة على حساب أخرى، ويهدر حقوقًا استقرت دستوريًا”.

وشكك المغاوري في توقيت مناقشة القانون بالتزامن مع الجدل حول الموازنة العامة، معتبرًا أن تمريره بهذا الشكل محاولة لتمريره “ليلًا” دون نقاش جدي داخل المجلس.

رأي المستشارين القانونيين: التوازن هو الحل

من جهته، علّق المستشار محمد عبد العليم كفافي، المستشار القانوني لرئيس مجلس النواب، بأن مشروع القانون تضمن للمرة الأولى تعريفًا صريحًا للمستأجر الأصلي، وهو ما اعتبره تطورًا مهمًا يراعي مراكز قانونية مستقرة.

وأكد كفافي أن القانون لا يهدر حقوق أحد، وإنما يسعى لتحقيق التوازن، خصوصًا في ظل توافر شقق سكنية أكثر من السابق، وانخفاض معدل الأسر التي تعيش في ظروف استثنائية كالسكن في المقابر أو العشوائيات.

هل تشهد الجلسة العامة معركة جديدة؟

ينتظر أن تشتعل معركة برلمانية داخل الجلسة العامة عند عرض مشروع القانون خلال الأسابيع المقبلة، خصوصًا مع إعلان عدد من النواب نيتهم التقدم بطلبات لتعديل مواد جوهرية، تتعلق بفترة الإخلاء أو الحد الأدنى للإيجار.

وفي ظل الانقسام الحاد بين الكتل النيابية، ووجود أصوات تدعو لتمرير القانون كما هو، مقابل أخرى ترفضه بالكامل، تبدو جلسة المناقشة العامة مرشحة لأن تكون واحدة من أكثر الجلسات سخونة في الدورة البرلمانية الحالية.

في النهاية.. معركة اجتماعية بامتياز

يبقى ملف الإيجار القديم واحدًا من أكثر القضايا الاجتماعية حساسية في مصر، حيث يتشابك فيه ما هو قانوني بما هو إنساني، وتتصادم فيه حقوق الملكية مع الحق في السكن، وتتشابك فيه مصالح متباينة لملايين من الأسر المالكة والمستأجرة.

وبين مؤيد يرى في القانون فرصة لتحرير السوق العقاري، ومعارض يعتبره تهديدًا مباشرًا للاستقرار المجتمعي، لا تزال الدولة أمام تحدٍ صعب لتحقيق التوازن، واحتواء الانقسام، وتقديم بدائل حقيقية تحفظ كرامة الإنسان المصري، سواء كان مالكًا أو مستأجرًا.