قمة الدوحة الطارئة: من خطاب الوحدة إلى اختبار التنفيذ على أرض الواقع

كتبت علياء الهواري

على وقع التصعيد الإسرائيلي الأخير الذي استهدف أحياء مدنية في العاصمة القطرية وأشعل المنطقة بحالة استنفار سياسي وأمني، التأم شمل القادة العرب والمسلمين في الدوحة في قمة طارئة وُصفت بأنها “قمة اللحظة الحاسمة”. القمة التي عُقدت خلال 48 ساعة من الهجوم، حملت منذ لحظاتها الأولى دلالات تتجاوز الرد الدبلوماسي التقليدي، وفتحت الباب أمام أسئلة حول مدى قدرتها على تشكيل جبهة عربية – إسلامية موحدة، وإعادة ترتيب أولويات العمل المشترك بما يتجاوز لغة الشجب والإدانة.

منذ الجلسة الافتتاحية، ظهرت ملامح خطاب تصعيدي واضح، إذ دعا أمير قطر إلى تحرك جماعي “يرتقي لمستوى التهديد”، مؤكدًا أن استهداف الدوحة “هو استهداف لكل عاصمة عربية وإسلامية، ومحاولة لكسر إرادة المنطقة”. وألقى الأمين العام للجامعة العربية كلمة أكد فيها أن ما جرى يتطلب “تفعيل منظومة الأمن القومي العربي، لا الاكتفاء بالتحذير من المخاطر”، فيما دعا الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إلى “إطلاق مسار استراتيجي لحماية الأمن الإقليمي”.
البيان الختامي الذي صدر عن القمة جاء متسقًا مع هذه النبرة، حيث أدان الهجوم الإسرائيلي بأشد العبارات، وطالب بتحقيق دولي عاجل، كما أوصى بعقد اجتماع طارئ لمجلس الدفاع العربي المشترك، وفتح قنوات للتنسيق العسكري والأمني بين الدول المشاركة. كما تضمن البيان دعوة لمراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وهي صياغة غير مسبوقة في قمم سابقة، ما اعتبره محللون تصعيدًا حقيقيًا على مستوى الخطاب الرسمي.

القضية الفلسطينية كانت الحاضر الأبرز في كلمات القادة، إذ شددوا على رفض التهجير القسري الذي يتعرض له سكان غزة والضفة الغربية، ودعوا إلى كسر الحصار المفروض على القطاع بشكل فوري. القمة أكدت تمسكها بحل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية، ودعت إلى إطلاق مسار سياسي جديد برعاية أممية وإقليمية. ورغم أن هذه البنود تعكس مواقف تقليدية، فإن الإضافة اللافتة كانت التلويح باتخاذ إجراءات عملية للضغط على إسرائيل، بما في ذلك استخدام أوراق القوة الاقتصادية والديبلوماسية.

اللواء حسام صلاح، الخبير العسكري، رأى أن “القمة لم تكتفِ بالتضامن، بل وضعت الكرة في ملعب وزراء الدفاع والخارجية لإعداد خطة تنفيذية”، لكنه حذر من أن “غياب جدول زمني واضح قد يعيد الأمور إلى المربع الأول”.

من جهته، اعتبر الدكتور محمد العزبي، الخبير في العلاقات الدولية، أن القمة نجحت على الأقل في “كسر حالة الجمود التي طبعت الموقف العربي لسنوات، وجمعت أطرافًا متباينة على طاولة واحدة رغم الخلافات البينية”. لكنه أشار إلى أن “التحالفات الإقليمية المتناقضة والمصالح الاقتصادية المعقدة قد تعيق تحويل البيان إلى خطوات عملية موحدة”.

من بين الملفات البارزة التي طُرحت على الطاولة كان أمن الملاحة في البحر الأحمر والخليج العربي، بعد سلسلة من التوترات والهجمات التي شهدتها المنطقة خلال الأسابيع الأخيرة. البيان الختامي أوصى بتشكيل لجنة دائمة لمراقبة وتأمين الممرات البحرية، ودراسة إنشاء قوة بحرية مشتركة. مراقبون اعتبروا هذه الخطوة تطورًا مهمًا إذا ما تم تنفيذها، إذ تمس مباشرة المصالح الاقتصادية لدول المنطقة والعالم، لكنهم شددوا على أن التحدي يكمن في توفير التمويل والإرادة السياسية لإنجاح هذا المشروع.

القمة عكست من جهة حرص القادة على تجاوز الانقسامات الداخلية، حيث جلس ممثلو دول شهدت علاقاتها توترات حادة في السنوات الماضية على طاولة واحدة. ورغم أن البيان لم يتطرق بالتفصيل إلى هذه الخلافات، فإن مجرد الحضور المشترك اعتُبر مؤشرًا على استعداد لإعادة بناء الثقة. إلا أن مصادر دبلوماسية حذرت من أن “الاختبار الحقيقي سيكون عند لحظة اتخاذ قرارات مكلفة”، مشيرة إلى أن “التوافق على الورق لا يعني بالضرورة توافقًا على الأرض”.

ردود الفعل الشعبية على القمة جاءت متباينة. ففي حين رحب الكثيرون بالخطاب القوي واعتبروه نقلة نوعية في الموقف الرسمي، أبدى آخرون تشككهم في إمكانية ترجمة الأقوال إلى أفعال. على منصات التواصل الاجتماعي، تداول ناشطون وسم #قمةالدوحةالطارئة مرفقًا بدعوات لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية والضغط الشعبي لمتابعة تنفيذ قرارات القمة. هذا التفاعل الشعبي يعكس توقعات مرتفعة من القادة، ويضعهم أمام مسؤولية حقيقية لتقديم نتائج ملموسة.

تبدو قمة الدوحة الطارئة لحظة فارقة في مسار العمل العربي والإسلامي المشترك، فهي حملت رسائل حاسمة إلى إسرائيل والعالم بأن استهداف أي عاصمة عربية لن يمر بصمت، وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي. غير أن نجاح القمة لن يُقاس بنبرة بياناتها، بل بقدرتها على تحويل ما اتُفق عليه إلى خطط قابلة للتنفيذ، سواء على صعيد الدعم السياسي والاقتصادي للفلسطينيين، أو على مستوى حماية الأمن الإقليمي وممرات الملاحة. وبين الأمل الشعبي والخبرة التاريخية، تبقى العيون معلقة على خطوات ما بعد القمة، فإما أن تكون الدوحة بداية مسار جديد يضع حدًا لدوامة العدوان والانقسام، أو أن تتحول إلى محطة أخرى في سجل القمم التي لم تغيّر الواقع على الأرض.