كتبت: هدير البحيري
بينما يشتد التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، تبرز كوريا الشمالية كفاعل بعيد جغرافيًا، لكنه حاضر بخيوط خفية في مشهد التوترات الإقليمية المتشابكة. فمع كل أزمة كبرى تهز منطقة الشرق الأوسط، تعود بيونج يانج إلى دائرة الضوء، ليس فقط من خلال تصريحاتها العدائية للغرب، بل عبر اتهامات متكررة بدعمها لحلفائها من خلف الكواليس، عبر شبكات سرية ومعقدة يصعب تتبعها.
ورغم المسافة الشاسعة التي تفصلها عن طهران، إلا أن التقارب الأيديولوجي بين النظامين، إلى جانب العداء المشترك للولايات المتحدة، يجعلان من كوريا الشمالية لاعبًا غير مرئي لكنه مؤثر في معادلات الصراع المتفجرة.
وتتزايد المؤشرات على احتمال إعادة تفعيل شبكات الدعم العسكري والتقني بين البلدين، ما قد يعيد رسم توازنات القوة في المنطقة، ويضفي أبعادًا صاروخية وربما نووية على النزاع.
كيم يعلنها بوضوح: إيران ليست وحدها
في تصعيد لافت، أعلن زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون دعمه الصريح لإيران، متوعدًا بالرد على أي تهديد يُوجه لإيران. وقال خلال اجتماع مع كبار قادته العسكريين:
“سنرد على أي تهديد يُوجه لإيران. ونحذر مرتزقة الإمبريالية العالمية: أي عمل عدائي سيُقابل بمقاومة صارمة.”
وختم تصريحه برسالة واضحة:
“ليُعلم الجميع أن العدوان على إيران هو عدوان على السلام، ولن يمر دون رد.”
تصريحات كيم قوبلت بقلق دولي واسع، إذ اعتبرها مراقبون بمثابة انضمام صريح من بيونج يانج إلى المحور المعادي للغرب، في وقت تتعاظم فيه المخاوف من اندلاع حرب إقليمية كبرى تشمل أطرافًا غير متوقعة.
من التصريحات إلى التصنيع.. رسائل متعددة الأبعاد
تزامنًا مع خطابه، أجرى كيم زيارة ميدانية لمنشأة كبرى متخصصة في إنتاج الذخائر، دعا خلالها إلى تسريع تطوير قذائف مدفعية حديثة تلبي متطلبات الحروب المعاصرة.
ووفقًا لوكالة الأنباء المركزية الكورية، شدد كيم على ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية الذاتية وتحديث خطوط الإنتاج، معتبرًا أن تطوير قطاع التصنيع العسكري يُعد “ركيزة أساسية في الاستراتيجية الوطنية”.
اهتمام كيم بالتصنيع لم يأتِ بمعزل عن سياق التوتر الدولي، بل قرأه مراقبون في الغرب كمؤشر على أن كوريا الشمالية تستعد لمرحلة جديدة من دعم حلفائها، عبر تمكينهم تقنيًا من دون الدخول في مواجهات مباشرة.
تحالف مضاد يتشكل والغرب يراقب بقلق
تزايد التحركات الكورية الشمالية على الصعيدين السياسي والعسكري أثار مخاوف غربية متصاعدة، وسط تقارير استخباراتية تشير إلى وجود تنسيق سري بين بيونج يانج وكل من طهران وموسكو.
وتفيد التقديرات بأن التعاون بين كوريا الشمالية وإيران يشمل تبادل الخبرات في مجال الصواريخ الدقيقة، والطائرات المسيّرة، وتكنولوجيا الأسلحة الباليستية.
هذا التنسيق، الذي يبدو أنه يتوسع على خلفية الاستقطاب العالمي، قد يعزز من قدرات إيران العسكرية في توقيت بالغ الحساسية، ويقلب ميزان القوى في المنطقة بشكل غير متوقع.
واشنطن تراقب.. وتصنّف التهديد
وفي حديث خاص لـ”نافذة الشرق”، قال الخبير في الشؤون الآسيوية، إسلام شحته إن دعم كوريا الشمالية لإيران يندرج ضمن “استراتيجية مزدوجة تبدأ بابتزاز الغرب سياسيًا، عبر خلق صورة لمحور معادٍ يتحدى الهيمنة الأمريكية، بالتزامن مع تعثر المحادثات النووية مع واشنطن وسيؤل”.
وأضاف شحته أن هذا التنسيق يخدم أيضًا تعزيز الاصطفاف ضمن محور دولي مضاد للنفوذ الأمريكي يضم روسيا، الصين، إيران، وأطرافًا من أمريكا اللاتينية.
وبحسب تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) عام 2023، فإن كوريا الشمالية كثّفت منذ عام 2020 خطابها التضامني مع دول “المعاقبين أمريكيًا” بنسبة 58%، ما يعكس نمطًا متزايدًا في بناء محور سياسي واقتصادي بديل للمنظومة الغربية.
وأوضح شحته أن تصريحات كيم تُفسر أمريكيًا غالبًا كرسائل رمزية تندرج ضمن “سياسة الردع النفسي”، لكنها لا تُهمل بالكامل، إذ تشير تقارير البنتاجون إلى احتمال وجود “تعاون نووي محتمل” بين بيونج يانج وطهران، ما يرفع تصنيف التهديد الأمريكي من “منخفض” إلى “متوسط”.
ورغم أن الردود الأمريكية العلنية تميل إلى التجاهل لتفادي التصعيد، إلا أن الأجهزة الاستخباراتية تراقب عن كثب أي مؤشرات على نقل تكنولوجيا أو تقنيات عسكرية بين الجانبين.
تمكين خفي.. وتأثيرات إقليمية محتملة
وردًا على سؤال “نافذة الشرق” حول ما إذا كانت كوريا الشمالية فاعلًا غير مباشرًا في النزاع الإيراني–الإسرائيلي، قال شحته: “نعم، لكن بشكل غير مباشر ومحسوب للغاية”.
وأوضح أن بيونج يانج متهمة منذ التسعينات ببيع تقنيات صاروخية لإيران، حيث اعتمد نحو 30% من البنية التحتية الصاروخية الإيرانية على نماذج كوريا الشمالية، مثل صواريخ “سكود B وC”، بحسب معهد SIPRI السويدي.
لكن في العلن، تتجنب كوريا الشمالية أي تدخل مباشر في نزاعات الشرق الأوسط، تفاديًا لعقوبات إضافية. وهي تُفضل “التمكين التقني” لحلفائها دون الظهور كطرف في الصراعات العسكرية.
مخاطر استراتيجية.. وقلق خليجي متصاعد
أشار شحته إلى أن تفعيل التعاون العسكري بين كوريا الشمالية وإيران قد يحمل مخاطر استراتيجية عالية، سواء على المستوى التقني أو الجيوسياسي، مشددًا على أن:
• تقنيًا: أي نقل لتكنولوجيا متطورة في مجال المسيّرات أو الصواريخ الباليستية سيزيد من قدرة إيران على تهديد منشآت حيوية في الخليج، مثل البنى التحتية النفطية والموانئ.
• أمنيًا: هذا التطور قد يدفع دول الخليج إلى تسريع وتيرة التسلح، ما يغذي سباقًا تسليحيًا غير مسبوق في المنطقة.
• جيوسياسيًا: يشكل محفزًا لتكوين محور مضاد تقوده إسرائيل بدعم أمريكي وغربي، ما قد يفتح الباب أمام مواجهات غير تقليدية على الأرض وفي الفضاء السيبراني.
وفي هذا السياق، كشف تقرير لموقع “ميدل إيست آي” عام 2024 أن 64% من الهجمات السيبرانية الإيرانية على منشآت خليجية تم تطوير أدواتها بدعم خبراء أجانب، ويُشتبه في أن بعضهم تلقى تدريبًا مباشرًا في كوريا الشمالية.