كتبت بسمة هاني
في ظل تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، يجد لبنان نفسه في قلب عاصفة إقليمية، بلا غطاء سياسي ولا قرار سيادي. الوضع يزداد خطورة مع غياب الدولة وارتفاع احتمالات انزلاق البلاد إلى حرب لا قرار لها فيها.
في حديث خاص لموقع “نافذة الشرق”، قال الدكتور عبدالله نعمة، دكتور العلاقات الدولية والمحلل السياسي اللبناني، إن لبنان يمر بأخطر مراحله منذ عقود، في ظل الانفجار المتصاعد في المنطقة بين إيران وإسرائيل، مما يضع البلاد في موقع هش وحرج، بلا غطاء سياسي فعّال، وبلا رؤية وطنية جامعة تحميه من التحول إلى ساحة حرب.
لبنان رهينة صراعات لا يملك قرارها
ولفت د. نعمة إلى أن لبنان لم يعد مجرد متأثر بالأحداث الإقليمية، بل أصبح منخرطًا فيها بشكل غير مباشر، نتيجة تموضع حزب الله السياسي والعقائدي ضمن محور إيران. وقال إن “الارتباط العقائدي والديني الذي عبّر عنه الشيخ نعيم قاسم مؤخراً، حين أكد الجاهزية الكاملة للدفاع عن إيران ومرجعيتها الدينية، يُخرج لبنان من حياده، ويضعه تلقائيًا في قلب الصراع الإيراني–الإسرائيلي، دون أن تكون الدولة اللبنانية قد وافقت أو قررت ذلك”.
وأشار نعمة إلى المفارقة في المواقف الرسمية اللبنانية، حيث يقول رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إن قرار الحرب والسلم يعود فقط إلى مؤسسات الدولة، في وقت يُعلن فيه حزب الله الاستعداد التام لخوض الحرب دفاعاً عن طهران.
وأضاف: “هنا نلمس التناقض الواضح بين من يملك أدوات الدولة ومن يملك أدوات القوة، حيث تم اختزال قرار لبنان السيادي بيد طرف واحد يتحدث باسم الوطن كله دون تفويض شعبي أو دستوري”.
غياب الدولة وتفكك القرار السيادي
وأكد نعمة أن ما يزيد من خطورة الموقف هو الغياب التام للحكومة، أو تغييبها عن مشهد القرار، ما يترك البلاد مكشوفة على كل الاحتمالات.
وقال: “لبنان حالياً بلا قرار سيادي فعلي، ما يعني أن مصيره قد يُحسم من خارج حدوده، وبناء على مصالح إقليمية لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية اللبنانية”.
موجة نزوح وخوف شعبي من الحرب
ونوه نعمة إلى أن الجنوب اللبناني يشهد منذ أيام حركة نزوح كثيفة باتجاه المناطق الجبلية والشمالية، نتيجة تصاعد التهديدات باحتمال اندلاع حرب شاملة. واعتبر أن “هذا النزوح يعكس حجم القلق الشعبي، ويؤكد أن اللبنانيين لم يخرجوا بعد من أزمات سابقة حتى يدخلوا في نفق جديد قد يكون أكثر دماراً”.
سيناريوهات الحرب: هل يتفادى لبنان الكارثة؟
وفي رده على سؤال حول السيناريوهات الواقعية أمام لبنان لتفادي الانزلاق الكامل في المواجهة الإقليمية، شدد د. نعمة على أن “الخيار الوحيد المتبقي هو إطلاق يقظة وطنية شاملة لإعادة الاعتبار إلى الدولة اللبنانية وقرارها السيادي، والتأكيد أن لبنان ليس ساحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية”.
وأوضح أن هناك خطوات لا بد منها، من بينها:
تفعيل الدبلوماسية اللبنانية لإعلان الحياد الكامل عن أي صراع إقليمي.
إعادة بناء مؤسسات الدولة، لتكون هي الجهة الوحيدة المخولة بالتحدث باسم لبنان.
توحيد الموقف الداخلي، والضغط من قبل المجتمع المدني والقوى الوطنية المستقلة لحماية ما تبقى من السيادة.
ضربة إسرائيلية محتملة لإيران: لبنان في عين العاصفة
وأشار نعمة إلى أن المعلومات المتداولة في الأوساط الأمنية والإعلامية الغربية تتحدث عن احتمال قيام إسرائيل خلال أيام بتنفيذ ضربات تكتيكية على منشآت نووية إيرانية، باستخدام أسلحة متطورة وفرتها لها الولايات المتحدة.
وأضاف: “إذا وقع هذا السيناريو، فإن الرد الإيراني سيكون واسعاً، وقد يستخدم لبنان كمنصة أو ميدان للرد، مما يعني أن البلاد ستتحول فعليًا إلى ساحة مواجهة إيرانية–إسرائيلية”.
حياد لبنان: أمنية أم ضرورة؟
واختتم الدكتور عبدالله نعمة حديثه بالتأكيد على أن “حياد لبنان لم يعد ترفًا سياسيًا، بل أصبح ضرورة وجودية لتفادي كارثة إنسانية وعسكرية جديدة”. وأضاف: “المطلوب اليوم هو وقف الاندفاع نحو المحور الإقليمي، والانكفاء نحو الداخل اللبناني، لحماية ما تبقى من الوطن”.