لوكورنو بين مطرقة التقشف وسندان الدفاع الأوروبي.. حكومة ماكرون الجديدة في اختبار البقاء

كتب: أحمد سمير

شهدت فرنسا فى الأيام الأخيرة هزة سياسية قوية فقدت حكومة ” فرنسو بايرو ” ثقة البرلمان بعد تصويت حاسم وقام الرئيس الفرنسى ” إمانويل ماكرون ” بتعيين وزير الدفاع السابق ” سيباستيان لوكورنو” رئيساً للوزراة الجديدة فى محاولة لكسر دورة الإنهيار المتكررة للحكومات السابقة ..

أسباب سقوط حكومة ” بايرو ” كانت نتيجة تراكم عوامل سياسية وإقتصادية وإنتخابية ..

المشروع المالى والقيادى : فقد دفعت الحكومة السابقة بموازنة تهدف إلى خفض العجز من خلال إجراءت تقشفية , وخصومات إنفاق كبيرة , مما أثار رفضاً واسعاً بين أحزاب اليسار والنقابات وجزء من الوسط , نستطيع أن نقول أن هذا هو السبب المباشر الذى قاد إلى طرح سحب الثقة من حكومة ” بايرو ” .

إنقسام البرلمان وعدم وجود أغلبية مريحة : منذ إجراء الإنتخابات السابقة لم تستعيد الرئاسة أغلبية برلمانية واضحه , مما جعل أى مشروع إصلاحى كبير مكشوفاً لهجمات المعارضه .

التكتيك السياسى وإستدعاء المادة الدستورية : حاولت الحكومة إستخدام مواد دستورية قوية لتنفيذ مشاريعها , مما اثار جدلاً موجه رفض من الأغلبية وتحول التصوية إلى حجب ثقة , هذه الموجات ذات من الضغط على النواب لإتخاذ إجراء حاسم , خوفاً من تداعيات شعبية لقرارات التقشف , مما سهل الأمر على التصويت بإسقاط الحكومة .

التحديات التى تواجه ” سيباستيان ” ..

القيام بعقد تحالفات برلمانية قابله للتمرير مع برلمان مجزأ مسألة التفاوض فى مثل هذه الظروف صعبه وسط أحزاب متابينة , للحصول على دعم لتمرير الموازنة وقوانين أخرى , مما يعنى أن أى إعتماد سيكون مشروط بموافقة من اليمين المتطرف مما يؤدى إلى عزلة سياسية وإجتماعية , وضع خطة مالية مقنعه للبرلمان أو جزء كبير من الطبقة السياسية , أو تقديم بدائل مقبولة لتخفيف العجز دون إشعال إحتجاجات أكبر .

تجنب تفاقم الصدام الإجتماعى , من خلال قرأة إجتماعية دقيقة ووضع توازن بين فرض الضرووة المالية , ” لوكورنو ” مطلوب منه إظهار قدرة قيادية سريعه نظراً لأن أى فشل مبكر سيذيد من المطالبة السريعة بحل البرلمان , أو تغييرات سريعه , لذا فالأمر يتطلب إختيار وزراء موثوق بهم على المستوى السياسى والتقنى , لإعادة الثقة فى الأسواق والشركات الأروبية .

هذا التغيير فى الحكومة هل من الممكن أن يؤدى إلى إنتخابات مبكرة .. ؟؟

يأتى هذا الأمر على سيناريوهان :

أولهما : البقاء على البرلمان الحالى مع تعين رئيساً جديداً للوزراء كما فعل مع لوكورنو , فى محاولة لإبقاء الدورة البرلمانية مستمرة وإجبار الحكومة الجديدة على كسب ثقة الأغلبية لتمرير الموازنة .

ثانيهما : إجراء إنتخابات مبكرة طبقاً للمادة 12 من الدستور الفرنسى فيحق للرئيس أن يحل الجمعية الوطنية ويدعوا لعقد إنتخابات عامة , لكنها خطوة بها العديد من المخاطر من الممكن أن تؤدى إلى إنتخابات رئاسية مبكرة , يقوى بها اليمين المتطرف أو يسحب بها البساط من تحت الرئيس , فى النهاية سيتردد صانعوا القرار فى إتخاذ مثل هذا القرار .

على المدى القريب من المحتمل أن تستكمل الدورة الحالية مع محاولة ” لوكورنو ” تأمين دعم كافى لإنتخابات مبكرة ممكن لكنها ستكون الخيار الأخير نظراً لمخاطرة السياسية ..

صدى التغيير الحكومى على دور فرنسا فى الإتحاد الأوروبى ..

موقف فرنسا ثابت فى القضايا الإستراتيجية مثل إلتزامها تجاه أوكرانيا فى الدفاع المشترك فهو جزء من سياسة دولة تمتد عبر مؤسسات , ولا يتغير بسبب تغيير رئيس وزراء لذلك من المتوقع الإستمرارية .

ضعف الحكومة أو إعتمادها على تسويات سواء مع اليمين المتطرف أو اليسار المتشدد , من الممكن إضعاف قدرة الدوله على القيادة الأروربية فى أى مبادرات حساسة ويقيض مصداقيتها كوسيط أو قائد إقليمى , وأن أى فترة حكم معطلة من الممكن أن تجعل باريس أقل فاعلية فى قمة الإتحاد الأوروبى , أو قضايا أخرى مما يجعل هناك منافسين أخرين لفرنسا فى عواصم أوروبية أخرى مؤقتاً , فى المقابل من الممكن أن تكون هناك حكومة قوية ذات رؤية تستطيع أن تعيد لباريس دورها القيادى .

موقف فرنسا من الحرب الأوكرانية من الممكن أن يتغير أو من سياسة الدفاع الأوروبية ..

شخصية ” لوكورنو ” وخلفيته العسكرية كوزير دفاع سابق من الممكن أن تجعل إستمرار دعم باريس لكييف فى الحرب مع التشديد على بناء قدرات دفاعية أوروبية طويلة الأمد , مع إمداد مستديم وتمويل برامج تسليحية وتدريبية , إعطاء دفعات لسياسات تعزيز السيادة الدفاعية الأوروبية كـ ” مبادرات مشتركة , برامج تسليح أوروبي ” مما قد يُسرع فى بعض الإجراءت أو يغير لهجة باريس نجو مقاربة أمنية أقوى داخل الإتحاد , مع كل ما سبق من الممكن أن تجعل الضغوطات المالية كل ذلك قيد التنفيذ , مع الحاجة لخفض العجز سيتوجب موازنة الإنفاق الدفاعى , وبعض التعهدات تتحول إلى أولويات موزعه زمنيا .

شخصية لوكورنو مدى تأثيرها على توجهات السياسة الخارجية الفرنسية ..

” لوكورنو ” يحمل شخصية قائد ومثل هذه الشخصيات تحدث فارقاً عمليا ً فى إختبار الأولويات والإسلوب , يميل إلى خطاب سيادى عملى يحمل أهمية للأدوات الدفاعية والردع , بالتالى السياسة الخارجية الفرنسية هذه الفترة ستميل إلى إبراز البعد الأمنى والسيادى كـ ” حماية للمصالح الفرنسية , ودعم الشراكة فى الشمال الإفريقى والشرق الأوسط ” , الخبرة العسكرية التى يمتلكها قد تفضل قرارات تقنية وتفاوضية , على الدخول فى مبادرات دبلوماسية رمزية فقط ,

” لوكورنو ” يمتلك شخصية قوية لا تكتفى لوحدها لتغيير مسار السياسة الخارجية إن لم تحظ بدعم سياسى داخلى وأموال للتنفيذ .

هذا التغيير هل سينعكس على علاقة باريس بشركائها التقليديين ” أمريكا , المانيا , شمال إفريقيا ..

أمريكا : ستبقى العلاقة معها قوية والتشديد على الدفاع والأمن , يمكن أن يقوى التعاون العسكرى والمعلوماتى لكن أى تعاون آخر داخلى مع الأحزاب المتطرفة قد يسبب تدقيق أمريكي , أو تحفظات فى بعض الملفات الحساسة .

المانيا : كلاهما شريكان رئيسيان فى حالة ضعف باريس سمنح برلين دور كبير فى أكبر المبادرات الأوروبية , وهذا لن يعنى بوجود إنفصال , حال تقديم باريس قيادة دفاعية قوية جديدة بوضوح وإستقرار فسيتم إستقبال ذلك , أما خلاف ذلك الأمر , ستزداد التباينات الإجرائية وربما التأخر فى مبادرات مشتركة .

شمال وجنوب ووسط إفريقيا : أى حكومة فرنسية تركز على الأمن والدفاع والحضور الدائم فى الساحل الإفريقى سواء بآليات عسكرية علاقات دبلوماسية , لكن يجب الأخذ بالحسبان العجز المالى قد يحد من هذا التواجد والتدخل المكثف , العلاقات مع الجزائر وتونس والمغرب تتطلب نهج حساس بعيد عن الخطاب الأمنى وحده .

وفى تصريح خاص لـ المحلل السياسى ومدير مركز جنيف للدراسات السياسية بسويسرا الأستاذ ” رضا سعد ” لموقع نافذة الشرق ..

أكد فيه : أن سقوط حكومة ” بايرو ” أتت بأغلبية واضحه بعد فشله في تمرير الموازنة لعام 2026 والتى إحتوت على تقشف كبير , والتى طالت المستويات المتدنية والوسطى من المجتمع الفرنسى مما أثر على شعبية الحكومة .

مشيراً : لعدم وجود تجانس بين الأغلبية بين البرلمان , مع وجود إتجاهات متعدده , مع عدم إمكانية تمرير أى مشروع الإ بوافقة الأخرين .

مضيفاً : أن تعيين ماكرون لـ ” لوكورنو ” حل جيد خاصة وأن لدية خلفية كوزير سابق للدفاع , التى تعطى له نوع من القوة المعنوية لتشكيل حكومة جديده , لكن هذا الأمر محفوف بالمخاطر خاصة وأن فى حاجة إلى تحالف مع الآخرين لتشكيل أغلبية وذلك لنيل الثقة مرة أخرى , والإ سيضطر إلى تغيير سياسة الحكومة , والموازنة التى سيتم طرحها على البرلمان الفرنسى ويقع فى نفس المشكلة السابقه التى أطاحت بحكومة ” بايرو ” .

لافتاً : أن ” لوكورنو ” بين أمرين إما تنفيذ سياسة الإليزية فى الموازنة , أو أن يقوم بالتعديل عليها أو التغيير بشكل يستطيع من خلال الحصول على الثقة مرة أخرى من البرلمان والأحزاب التى تشكله .

متوقعا ً : أن هناك ملفات عديدة سيواجهها ” لوكورنو ” خاصة فى الداخلى الفرنسى والتى تمس الطبقات الإجتماعية المهمشه , التعليم , البطالة , والتى فيها تخفيض مستوى الدعم الحكومى للطبقات المسيورة والمتوسطه , إذا أراد أن يحصل على الأغلبة فسيحاول فى هذا الأمر وإلا سوف سكون هناك مأزق سياسى فى الداخل الفرنسى , وأن حال فشله سيضطر ماكرون إلى الدعوة إلا إنتخابات مبكرة للحصول على أغلبية فى البرلمان , على الرغم من خطورة هذا الأمر خاصة بأن شعبية ماكرون إنخفضت بشكل واضح فى الإنتخابات السابقه .

مكملاً : وأن هذا التراجع ستراكم فى الإنتخابات القادمه مما يثير حذر ماكرون , الوضع فى الداخل الفرنسى والإحتجاجات التى تقوم بها حركة ” إقفلوا كل شىء ” تتصاعد داخل فرنسا , مما أدى إلى إغلاق محطات القطار والطرق السريعه إحتجاجاً على سياسة التقشف التى قد وضعتها الحكومة سابقاَ , ومع وجود حكومة جديده إما أن تكون حكومة أقليات أو حكومة تستطيع أن تنال ثقة أغلبية البرلمان الأمر الذى سيغير من السياسة الإقتصادية للحكومة ومشروع الموازنه .

مبيناً : فى حالة عدم نيل حكومة ” لوكورنو ” على ثقة البرلمان سوف تهتز صورة فرنسا أمام الإتحاد الأوروبى خاصة وأن فرنسا تريد أن تكون فى دور القائد فى دول الإتحاد مم يقلل من إعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على دول الإتحاد الأوروبى خاصة فرنسا , وربما يتم تغيير النظر إلى دولة أخرى مثل المانيا كقوة إقتصادية كبرى , مع تواصل الإضطرابات وعدم إستقرار الحياة السياسية فى فرنسا , سوف يدفع الشركاء الخارجيين إلى تقليل الثقة بدور فرنسا فى ملفات كبرى مثل حرب أوكرانيا , والعلاقات الدولية , الرسوم الجمركية مع امريكا .

مختتماً : أن المطلوب من ماكرون هو الإختيار بين الإنتخابات المبكرة , التى لن تكون فى صالحة وبين إستطاعته أن يشكل حكومة تحظى بأغلبية برلمانية مع وجود صعوبة فى البرلمان الحالى الذى لا يمثل أغلبية لصالحه , الوضع فى فرنسا خارجيا بدأ يتأثر بالوضع الداخلى سواء بعلاقة فرنسا مع الولايات المتحده الأمريكية أو إفريقيا أو دول داخل الإتحاد الأوروبى مما يضعف دور فرنسا خارجيا نظرا لأهتزاز الصورة الداخليه إلا فى حالة إختيار الرئيس ماكرون المخاطرة بإجراء إنتخابات نيابية مبكرة للإتيان ببرلمان متجانس يحصل على أغلبية واضحه لتشكيل حكومة , الصورة فى فرنسا ستكون غامضة الى حد كبير ويبقى على ماكرون إتخاذ حازم ووضح إما الإختيار بين إنتخابات مبكرة لا يضمن نتاجئها , أو محاولة النظر فى المطالب البرلمانية الموجوده حاليا وتغيير الميزانية التى سوف تثقل فرنسا أكثر بالديون .

وفى النهاية مع سقوط حكومة ” بايرو ” وصعود حكومة جديده برئاسة ” لوكورنو ” يعكس أزمة أعمق وتباعد بين الحاجة لللإصلاح المالى وقيود شيوعية , وسياسية داخل البرلمان . تعيين لوكورنو يشير إلى نبرة تركز على الأمن والقدرات الدفاعية ويعطى لفرنسا مكانة قيادية مؤقته فى الملفات الأمنية الأوروبية , لكن يعتمد بقاء هذه الحكومة على قدرتها على بناء تسوية برلمانية , وإدارة ضغوط إجتماعية دون اللجوء إلى إنتخابات مبكرة محفوفة بالمخاطر .