ماذا لو أغلقت إيران مضيق هرمز؟ السيناريوهات والتداعيات والفرص المحتملة

كتبت : ضحى ناصر

في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل و إيران والذي سيدخل حيز التنفيذ خلال الساعات المقبلة يبقى من اللافت ما أثاره إعلان إيران عن موافقة البرلمان على قرار إغلاق مضيق هرمز فما الذي يعنيه ذلك، وكيف كانت ستتحرك دول أوروبا والصين وروسيا لمنع ذلك، و كيف يمكن لقناة السويس الإستفادة من ذلك نجاوب عن كل تلك التساؤلات و أكثر في التقرير التالي .

ماهو شكل تحركات أوروبا، خاصة فرنسا وألمانيا، في هذه الأزمة؟ وهل كان هناك مشروع تدخل دبلوماسي مشترك؟

يوضح خبير الأمن الأوروبي يمان الشواف لنافذة الشرق أن التحركات الأوروبية، وتحديداً من قبل فرنسا وألمانيا، يمكن وصفها بأنها ستكون حذرة ولكنها نشطة دبلوماسياً، فـبرلين وباريس يدركان أن الاستقرار في الخليج لا يمس فقط المصالح الإقليمية، بل ينعكس بشكل مباشر على الأمن الأوروبي، سواء من ناحية الطاقة أو تدفق الهجرة أو مكافحة الإرهاب.

و أضاف أن فرنسا، بحكم وجودها العسكري في بعض دول الخليج، قد تحاول أن تلعب دور الوسيط القوي، بينما تميل ألمانيا إلى تبني نهج أكثر مؤسساتي، عبر الدفع باتجاه تحركات داخل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

وتابع قد لا يبدو أن هناك مشروع تدخل دبلوماسي أوروبي مشترك بالمفهوم التقليدي، لكن هناك تنسيق متزايد بين باريس وبرلين، ويُحتمل أن يتبلور في مبادرة سياسية خلال الأسابيع المقبلة، خاصة إذا استمرت الأزمة في التصاعد. هذا النوع من المبادرات عادةً ما يُبنى على قاعدة خفض التصعيد ودعم الوساطات الإقليمية، مثل تلك التي تقودها سلطنة عُمان أو قطر.
هل يمكن أن تؤدي الأزمة إلى إعادة تشكيل التحالفات أو الاصطفافات في الخليج؟ وكيف سينعكس ذلك على التوازن الدولي؟

لفت الشواف إلى أنه من غير المرجح أن تؤدي الأزمة المتعلقة بإغلاق مضيق هرمز، رغم خطورتها، إلى تغييرات جوهرية أو مفصلية في خارطة التحالفات التقليدية داخل الخليج.

و أشار إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تابعت التصعيد بين إسرائيل وإيران بكثير من الحذر والقلق، وهي تدرك أن أي انزلاق نحو مواجهة شاملة سيهدد أمنها الداخلي واستقرارها الاقتصادي، ويعرضها لضغوط سياسية وأمنية غير مسبوقة.

كما أكد أن هذه الدول بذلت جهوداً حثيثة عبر القنوات الدبلوماسية لتخفيض حدة التصعيد، ومنع اندلاع مواجهة أوسع من شأنها أن تجر المنطقة بأكملها إلى صراع مفتوح لا يخدم أحداً.

ونوّه إلى أن المواقف الخليجية تتسم بضبط النفس، وتهدف إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، في ظل معادلة إقليمية معقدة.

لفت إلى أن الحرب قد تفرض واقعاً جديداً أو تقاربات ظرفية، وربما تفتح الباب أمام تحالفات تكتيكية أو تنسيقات أمنية مؤقتة، إلا أن البنية التقليدية للتحالفات خصوصاً التحالفات الأمنية مع الولايات المتحدة والشراكات الاقتصادية مع الغرب والصين ستظل قائمة، مُرجعاً السبب في ذلك يعود إلى أن معظم دول الخليج تبني استراتيجياتها على المدى البعيد، وتدير علاقاتها وفق مبدأ توازن المصالح لا الاندفاعات الظرفية، في التوازن الدولي، حيث ستبقى المنطقة محوراً تنافسياً بين القوى الكبرى، ولكن دون انحراف جذري في تموضعها الاستراتيجي، ما لم يحدث تحول كبير في المعادلة بين واشنطن وطهران، أو انهيار كامل في منظومة الردع الإقليمي.

السر وراء تردد إيران بشأن إغلاق مضيق هرمز

من جهته فقد أكد الباحث في الشؤون الدولية حيدر الداعمي في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أن تداعيات إغلاق مضيق هيرمز على مصالح حلفاء إيران ستكون أشد وطأة منها على مصالح الولايات المتحدة.

و أضاف أنه على سبيل المثال فإن الصين تستقبل نحو أكثر من 60% من إحتياجاتها من الغاز عبر مضيق هرمز، بالإضافة إلى أن الصادرات العربية لآسيا بشكل عام عبر مضيق هرمز وهو السر وراء تردد إيران بشأن إغلاق المضيق .

لافتاً إلى أن الولايات المتحدة قد تتدخل لمنع ذلك بكل حسم، لاسيما بعد فقدان إيران الكثير من دفاعاتها الجوية وهو مايجعلها عُرضة للضربات الأمريكية والإسرائيلية بشكل مستمر وهو مايجعل الأمر مستبعد .

تحركات روسيا والصين للحيلولة دون ذلك

و أشار الداعمي إلى أن موسكو والصين قد تحاولان لعب دور الوساطة وهو ماشاهدناه من تحركات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، و الذي صرح بأن إيران حليفة لروسيا أما إسرائيل فهى دولة متحدثة بالروسيا في إشارة لوجود نحو مليون روسي بإسرائيل وهو مايجعل روسيا تتحرك بقوة لتهدئة الأوضاع بين حليفتيها إيران و إسرائيل .

القرار محاولة إيرانية لمواجهة التغول الأمريكي

فيما أوضح الخبير المتخصص في العلاقات الدولية الدكتور هانى الجمل في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أن قرار البرلمان الإيراني بشأن إغلاق مضيق هرمز هو محاولة لمواجهة التغول الأمريكي الذي باتت إيران تقف إمامه منفردة لاسيما و أن الضربة الأمريكية لعدد من المنشأت الإيرانية النووية وعلى رأسها منشأة فوردو جاءت بعد خداع الولايات المتحدة بإمهالها مدة إسبوعين للتراجع قبل توجيه ضربة أمريكية لمنشأتها النووية وهو ما أجبر إيران على إستخدام أدواتها للرد على تلك الخطوة والتي تتمثل في إستهداف القواعد الأمريكية الموجودة في دول الخليج أو إغلاق مضيق هرمز وهو الخيار الأقل وطأة نسبيا .

و أشار هاني الجمل إلى أنه على الرغم من أن تلك الخطوة مخالفة للقانون الدولي نظرا لأهمية مضيق هرمز للتجارة الدولية إلا أن وجود خطر جسيم يهدد إيران فيحق لها إغلاق المضيق لدحض ذلك الخطر عنها.

لافتا إلى أن إيران تحاول إدخال لاعبين جدد إلى ساحة القتال من بين أبرزهم حليفتيها التي تخليتا عنها في مواقف مختلفة وهما روسيا والصين وهو ما لن يتم لإيران دون إستخدام أوراق الضغط لاسيما و أن مضيق هرمز والذي تمر من خلاله نحو 20% من حركة التجارةالعالمية مايشكل ضغطا كبيرا على دول العالم وسلاسل الإمدادات بشكل عام و إمدادات الطاقة بشكل خاص .

ويرى الجمل أن توجه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لروسيا وتواجده في تركيا يعد دلالة دامغة على أن إيران منفتحة على المفاوضات مشيرا إلى أن إيران ليس لديها القدرة على الصمود امام الضربات الامريكية .

كيف يؤثر إغلاق مضيق هرمز على تقييد حركة التجارة وارتفاع أسعار النفط العالمية.

بدوره فقد أكد دكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي والاقتصادي و أستاذ التمويل بالجامعة الإسلامية بمينسوتا ( السنغال- موريتانيا) أن مضيق هرمز يعتبر أهم بوابة لشحن النفط.
في العالم وكذا كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال وعلى ذلك فإن أي محاولة لغلق المضيق ستعني بشكل مباشر في التوقف الفوري لامدادات حوالي ٢٠%من النفط المشحون حول العالم، حيث يمر من المضيق حوالي خمس إجمالي استهلاك العالم من النفط، أي ما يقرب من ٢٠ مليون برميل يوميا من النفط والمكثفات والوقود، وهو مايعد ضرب لسلاسل الإمداد العالمية لحجم التجارة التي تمر عبر المضيق أكثر من ١,٥ تريليون دولار سنوياً.

و أضاف أن أي غلق للمضيق هرمز سيشكل تهديداً لأمن و إقتصاد العديد من الدول العربية والأسيوية والأوروبية وامريكا وتوقف حركة الإمدادات والتجارة أكثر من ٣٠ دولة والذي سينعكس على دول العالم أجمع وصولا إلى ارتفاع أسعار الطاقة.
كما سيؤثر غلق المضيق على ارتفاع أسعار النفط والتي سيتبعها موجه تضخم مرتفعة و إرتفاع أسعار العديد من السلع في ضوء اضطراب سلاسل الإمداد. و إستيراد السلع بأسعار أعلى والذي سيضغط على الدولار والاحتياطات الدولية.

هل تتوقع أن تُسرّع هذه الأزمة من تحولات الطاقة العالمية بعيدًا عن النفط الخليجي؟

و أوضح الدكتور أحمد شوقي في تصريحات خاصة لنافذة الشرق أن ذلك قد يكون ممكناً لكن التحول لن يتم على المدى القصير نظراً لإلتزامات الأطراف بالعقود الآجلة وسلاسل توريد النفط .

في ظل التوتر، هل يمكن لمصر أن تستفيد من التحويلات المحتملة لمسارات التجارة هل تلعب قناة السويس دورًا بديلًا

وأشار الدكتور أحمد شوقي إلى أن تحويل مسارات التجارة قد يشكل فرصة يمكن لمصر الإستفادة منها، لاسيما أنه وفي حال إغلاق مضيق هرمز فستصبح قناك السويس هي البديل الأمن وهو ماشاهدناه بصورة أخرى بعد الضربات الإيرانية على قاعدة العُديد حيث إستقبلت المطارات المصرية عدد كبير من الطائرات التي طالبت بإذن الهبوط في ظل إغلاق كافة المسارات الجوية بالمنطقة.

و تابع أن كل تلك العوامل تتضافر لتمنح المزيد من الثقة الدولية بالإقتصاد المصري، وهو ماسينعكس في حال تحويل المسارات التجارية على إرتفاع معدلات العبور من قناة السويس وهو ماسيشكل المزيد من الإنتعاش للإقتصاد المصري .

ما هي الموانئ المصرية المرشحة للعب دور محوري في حالة إستمرار إضطراب الملاحة في الخليج إلى جانب القناة

وبهذا الصدد أوضح الدكتور أحمد شوقي أن كافة الموانيء القريبة من قناة السويس ستلعب دوراً هاماً وهو ماسيخلق حالة من تنوع المصادر الدولارية مشيراً إلى أنه في حال إستمرار الإضطرابات قد نشهد خروج الإستثمارات الأجنبية الغير مباشرة من بعض الدول إلى مصر.

وهكذا في ظل التصعيد المتكرر في الخليج، يظل مضيق هرمز ورقة ضغط مركزية بيد إيران، لكنه في الوقت نفسه سيف ذو حدين. فقرار الإغلاق، وإن بدا تصعيدًا استراتيجيًا، قد يحمل في طياته خسائر إيرانية تفوق مكاسبها، ويثير مخاوف عالمية تتجاوز الإقليم، تمتد إلى أمن الطاقة والتوازنات الدولية.
وبينما تتحرك القوى الكبرى بين التهدئة والحذر، تبرز مصر كلاعب قد يجني بعض المكاسب من تحولات محتملة في مسارات التجارة العالمية، عبر قناة السويس والموانئ المحورية.

يبقى السؤال مطروحًا: إلى أي مدى تستطيع إيران استخدام هرمز كورقة تفاوض دون أن تشعل فتيل مواجهة أوسع؟ والأهم، هل يدفع هذا التهديد المجتمع الدولي لإعادة صياغة أمن الخليج ضمن توازنات جديدة أم أنها مجرد حلقة أخرى في مسلسل طويل من التوترات المؤجلة؟

يذكر أن مضيق هرمز هو مضيق مائي يربط الخليج العربي بخليج عمان يمثل هذا المضيق الممر البحري الوحيد من الخليج العربي إلى المحيط المفتوح، ويُعتبر من أكثر نقاط الاختناق الاستراتيجية أهمية في العالم. تقع إيران على الساحل الشمالي للمضيق، بينما تقع شبه جزيرة مسندم على الساحل الجنوبي، والتي يشترك في إدارتها كل من الإمارات العربية المتحدة ومحافظة مسندم، وهي إقليم منفصل تابع لعُمان يبلغ طول المضيق حوالي ٩٠ ميلاً بحرياً (١٦٧ كيلومتراً)، ويتراوح عرضه بين حوالي ٥٢ ميلاً بحرياً (٩٦ كيلومتراً) إلى ٢١ ميلاً بحرياً (٣٩ كيلومتراً).

و يمر عبر المضيق نحو ثلث إجمالي الغاز الطبيعي المسال في العالم، كما كان قبل نحو ٦ إلى ٧ سنوات يعبره ما يقرب من ٢٥٪ من استهلاك النفط العالمي، مما يجعله موقعاً استراتيجياً ذا أهمية كبرى في التجارة الدولية. تذكر مذكرات ظهير الدين بابر كيف كانت المكسرات منخفضة القيمة تُنقل من منطقة فرغانة البعيدة إلى هرمز لتصل إلى الأسواق.