محللون سياسيون…فرص وقف الحرب في غزة بين رسائل حماس ومصالح واشنطن

كتبت بسمة هانى

ظل تصاعد الجهود الإقليمية والدولية لوقف الحرب على غزة، تتقاطع التحليلات السياسية حول فرص إنهاء العدوان، ودور الأطراف الفاعلة في رسم ملامح المرحلة المقبلة.

وفي هذا السياق، يقدّم كل من الدكتور أحمد يوسف صالح، وكيل وزارة الخارجية الفلسطينية سابقاً، والدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، رؤى متكاملة حول استعداد حماس لتقديم تنازلات، وتحولات الموقف الأمريكي، وإمكانية الوصول إلى تسوية تنهي الحرب وتفتح الباب أمام إعادة إعمار القطاع.

قال الدكتور أحمد يوسف صالح، وكيل وزارة الخارجية الفلسطينية سابقاً ومؤسس معهد الحكمة للدراسات وحل النزاعات، في حديث خاص لموقع نافذة الشرق، إن المرحلة الحالية من الحرب على قطاع غزة تفرض على الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي اتخاذ قرارات مصيرية.

أهمية التحرك السياسي لوقف الحرب

ولفت إلى أن هناك طرفين محوريين في معادلة استمرار الحرب أو الدفع باتجاه وقفها، مشيراً إلى أن ما تحقق من مكاسب لحماس، رغم حجم الكارثة الإنسانية، يدفع الحركة نحو اتخاذ خطوات جادة لإنهاء ما وصفه بـ”حرب الإبادة الجماعية”. وأوضح أن السياسات الإسرائيلية التي تقوم على القتل الجماعي والتجويع والحصار الممنهج لأهالي القطاع، خلقت واقعاً مأساوياً يصعب استمراره، وهو ما يفرض تحركاً دولياً عاجلاً.

وأكد صالح أن حماس أوصلت، من خلال الوساطات المصرية والقطرية، رسائل واضحة تفيد باستعدادها الكامل للوصول إلى تسوية شاملة تُنهي الحرب، حتى وإن تطلب الأمر الإفراج المتزامن عن جميع الأسرى والمحتجزين لدى الطرفين، الإسرائيلي وحماس على حد سواء.

رغبة حماس في إنهاء الحرب المجنونة

ونوّه إلى أن حماس قدّمت ما يكفي لإقناع الإدارة الأمريكية بجدية نواياها، بل وأبدت رغبة واضحة في إنهاء هذا المشهد “المجنون” من الحرب الذي لم يترك حجراً ولا بشراً في فلسطين إلا وطاله الدمار.

وأشار إلى أن واشنطن من جهتها، أعطت الضوء الأخضر للإسرائيليين ليأخذوا “حصتهم من الانتقام” بعد عملية “طوفان الأقصى”، وهو ما يجعل الكرة الآن في ملعب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي بات عليه أن يتخذ القرار الحاسم بوقف الحرب، استجابة لمتطلبات المرحلة.

المعادلات الإقليمية والدولية: ترامب وصناعة السلام

وأوضح الدكتور صالح أن الولايات المتحدة لديها حسابات داخلية وخارجية معقدة، أبرزها طموحات دونالد ترامب بالعودة إلى المشهد الدولي كصانع سلام، وهي طموحات تترافق مع مساعيه المعلنة للحصول على جائزة نوبل للسلام.

ولفت إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في أمريكا تضغط على الإدارة الأمريكية، في وقت تحقق فيه الصين قفزات اقتصادية كبيرة، سواء من خلال تحالفات مثل “البريكس” أو من خلال التمدد في مناطق النفوذ التقليدية للولايات المتحدة كالعالم العربي، وإفريقيا، وآسيا، بل وحتى بعض الدول الأوروبية.

ونبّه إلى أن الصين قد تتجاوز الولايات المتحدة اقتصادياً خلال سنوات قليلة، بالنظر إلى تقارب الفجوة الاقتصادية بين الطرفين، مما يفرض على واشنطن إعادة النظر في تحالفاتها ومصالحها الإقليمية.

دور دول الخليج في التمويل ومطالبهم بالتسوية

وأكد أن ترامب يراهن حالياً على استقطاب أموال دول الخليج من أجل إعادة ترتيب الوضع الاقتصادي الداخلي في أمريكا، إلا أن هذه الدول، بحسب صالح، لن تقدم أموالها “مجاناً”، بل تريد في المقابل رؤية حل جاد للقضية الفلسطينية، حتى لا تتهم بالمشاركة الضمنية في الجرائم المرتكبة بحق أهالي غزة.

إسرائيل مطالبة بإعادة الحسابات

وأشار إلى أن الضغوط الأمريكية تُمارس الآن على إسرائيل لتعيد حساباتها الداخلية، خاصة أن المنطقة تحتاج إلى حالة من الاستقرار الشامل، وهي النقطة التي تشكل محط اهتمام أمريكي حقيقي. ولفت إلى أن أحد أبرز أهداف واشنطن في هذه المرحلة هو ضمان تدفق الأموال الخليجية إلى صناديق الاستثمار والسندات الأمريكية، وتمويل مشاريع ضخمة داخل الولايات المتحدة.

مرحلة ما بعد الحرب: دور مصر وترتيبات محتملة

وأوضح صالح أن المناخ العام حالياً يشي بأن وقف الحرب بات مصلحة مشتركة ووشيكة، مشيراً إلى وجود فرص جدية لإعادة ترتيب أوضاع قطاع غزة، من خلال إفساح المجال أمام دور مصري محوري في إدارة هذه المرحلة.

كما ألمح إلى احتمال إبرام اتفاقات تشمل بنوداً عن “الهجرة الطوعية” وليس القسرية، بمشاركة أطراف إقليمية ودولية، بينها الولايات المتحدة.

وأضاف أن المفاوضات الجارية حالياً لإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين تسير بخطى متسارعة، والهدف منها هو الوصول إلى حالة من التهدئة وإنهاء الحرب، تمهيداً لتحقيق شكل من أشكال الاستقرار وبدء عملية إعادة الإعمار، مشدداً على أن لمصر دوراً أساسياً في هذا المسار.

الدكتور أيمن الرقب: مفاوضات حماس لإطلاق سراح الجندي الأمريكي الإسرائيلي كانت خطوة سياسية جادة

وفي السياق نفسه، أوضح الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، في تصريحات خاصة لموقع نافذة الشرق، أن المفاوضات الجارية مع حركة حماس شهدت تطوراً مهماً تمثل في العرض الذي قدمته الحركة للإفراج عن الجندي الأمريكي الإسرائيلي “أليسكندر عيدان”.

مفاوضات سرية وتأكيد على الجدية

وأشار إلى أن هذه المفاوضات التي تمت بسرية كاملة، شكلت خطوة سياسية حاسمة من قبل حماس، وأكدت جدية نواياها في التوصل إلى اتفاق. ولفت إلى أن الجانب المصري أصرّ خلال المحادثات على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل عاجل، وكذلك فتح ممرات تجارية لتسهيل دخول الإمدادات اللازمة.

ربط إدخال المساعدات بوقف إطلاق النار

وشدد الرقب على أن دخول المساعدات كان مرتبطاً باتفاق وقف إطلاق النار، إذ لم تمنح إسرائيل سوى وعود مؤقتة جداً، قد لا تتعدى يوماً واحداً، كإجراء تمهيدي للإفراج عن الجندي. وأوضح أن من المقرر أن يصل “ويست كوتوف” إلى المنطقة لاستلام الجندي، في خطوة قد تكون بمثابة بادرة حسن نية من قبل الأمريكيين.

رسائل ترامب وتحول في الخطاب الأمريكي

وأكد أن تصريحات ترامب الأخيرة، التي جاءت في ساعات متأخرة من مساء أمس، تضمنت لهجة مختلفة تماماً، حيث وصف ما يحدث في غزة بـ”الحرب الوحشية”، ما يعكس تحوّلاً ملموساً في الخطاب الأمريكي.

ونوّه إلى أن هذه التصريحات تشير إلى بداية انتهاء فكرة “تهجير سكان قطاع غزة”، وهو ما يمثل تطوراً إيجابياً في الموقف الدولي.

واختتم الدكتور الرقب حديثه بالتأكيد على أن كل المعطيات تشير إلى أن الساعات أو الأيام القادمة قد تشهد تطورات حاسمة في مسار إنهاء الحرب، لا سيما في ظل تقاطع المصالح الإقليمية والدولية، ورغبة الأطراف الفاعلة في تحقيق استقرار مشروط يعيد ترتيب أوراق المنطقة بشكل متوازن.

الدكتور أحمد صالح