مصر تتحرك بخطة محكمة.. خطوات استراتيجية جديدة لتأمين الغاز الطبيعي وسط التحديات العالمية

كتب: عبد الرحمن السيد

في ظل أزمة طاقة تضرب العالم وتسببت في ارتفاعات غير مسبوقة بأسعار الوقود، تتخذ مصر خطوات استراتيجية لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي، توازن من خلالها بين متطلبات السوق المحلي والتزاماتها التصديرية. التحركات المصرية تشير إلى رؤية بعيدة المدى تهدف إلى تعزيز أمن الطاقة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، خاصة في وقت بات فيه الغاز الطبيعي عنصرًا حاسمًا في معادلة الأمن القومي.

المشهد العالمي المضطرب

تشهد أسواق الطاقة العالمية تقلبات حادة، نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتراجع الاستثمارات في مشاريع الغاز، فضلًا عن الارتفاع الكبير في الطلب مع تعافي الاقتصادات بعد جائحة كورونا. هذا الواقع فرض على الدول – ومن بينها مصر – ضرورة تبني سياسات أكثر مرونة وواقعية لتأمين مصادرها، خصوصًا في ظل توقعات باستمرار الضغوط السعرية خلال الأعوام المقبلة.

في هذا السياق، أصبحت الدول التي تنجح في تأمين مصادر طاقتها محليًا أو عبر شراكات استراتيجية أكثر قدرة على امتصاص الصدمات، وهو ما تدركه القاهرة جيدًا، وتعمل عليه عبر خطة متكاملة تشمل الاستيراد والإنتاج المحلي والتصدير الذكي.

تحركات مصر الاستراتيجية

بدأت مصر منذ شهور تنفيذ خطة تعتمد على عدة محاور مترابطة، أبرزها:

استئجار وحدات عائمة لإعادة تحويل الغاز المسال إلى حالته الطبيعية (FSRU)، ما يوفر مرونة في استقبال الغاز المستورد حسب الحاجة.

توقيع اتفاقات طويلة الأجل لاستيراد الغاز من الخارج، خاصة مع دول شرق المتوسط، وهو ما يمنح مصر قدرة على التفاوض بأسعار تنافسية.

ترشيد استهلاك الغاز في محطات الكهرباء خلال أشهر الصيف، والاعتماد على مصادر بديلة مثل المازوت مؤقتًا، لتوفير كميات أكبر للتصدير.

التوسع في عمليات البحث والاستكشاف بالبحر المتوسط ودلتا النيل، وتحديث البنية التحتية لرفع معدلات الإنتاج المحلي.

تعزيز التعاون الإقليمي في ملف الطاقة، خاصة ضمن منتدى غاز شرق المتوسط، لتعظيم العوائد من تصدير الغاز.

إدارة ذكية للموارد الطبيعية

يقول د. أحمد عبد المنعم، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”: “ما تقوم به مصر الآن هو إدارة ذكية خاصة بعد لجوءها إلى تركيا بعد الابتزاز الإسرائيلي برفع أسعار الغاز، مشددا على ضرورة استغلال الموارد الطبيعية وسط مناخ دولي متوتر. والا تنتظر حدوث الأزمة.”

وأضاف: “يجب أن يكون هناك توازن واضح بين الاحتياجات المحلية. مصر يحب أن تؤمن مصادرها من الإكتشافات ووفي نفس الوقت بتحقق عوائد من تصدير الفائض، وده بيساهم في دعم العملة الصعبة وتخفيف الضغط على الموازنة العامة.”

كيف يستفيد المواطن؟

تنعكس هذه السياسات بشكل مباشر على حياة المواطن، من خلال عدة أمور تشمل استقرار أسعار الكهرباء وغاز المنازل، وتقليل الحاجة إلى رفع الأسعار نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج. كما يكون لها دور في منع حدوث أزمات في الطاقة أو انقطاعات التيار، خاصة في فترات الذروة بالصيف.

كما تشمل على توفير الغاز للصناعة، ما يدعم استقرار أسعار السلع وتوفير فرص عمل وكذلك الأمر فيما يخص دعم استدامة الخدمة وجودتها في المناطق الريفية والحضرية.

التأثير على المواطن والاقتصاد

ينعكس ذلك أيضا على المواطنين من خلال:

  • استقرار الأسعار: تجنب زيادة فواتير الكهرباء رغم الأزمات العالمية.
  • دعم الصناعة: توفير الغاز لمصانع الأسمدة والحديد يضمن استمرار الإنتاج وفرص العمل.
  • مكاسب اجتماعية: عوائد التصدير تُوجه لتمويل مشروعات مثل حياة كريمة وتحسين الخدمات الصحية.

التحديات والمخاطر

المنافسة العالمية الشرسة

تواجه مصر تحديًا كبيرًا في سوق الغاز المسال مع منافسة شرسة من قطر والولايات المتحدة، اللتين تمتلكان بنية تحتية متطورة وقدرات إنتاجية ضخمة. قطر – أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم – تقدم أسعارًا تنافسية في السوق الأوروبية بفضل تكاليف إنتاجها المنخفضة، بينما تعتمد الولايات المتحدة على تقنيات التكسير الهيدروليكي التي تزيد من حجم عرضها في الأسواق. هذه المنافسة تضغط على مصر لتقديم شروط أكثر جاذبية للعملاء، وهو ما قد يؤثر على هوامش ربحها من الصادرات.

أعباء التمويل الثقيلة

تمثل تكاليف تشغيل وحدات FSRU العائمة عبئًا ماليًا كبيرًا على الموازنة المصرية، حيث تصل تكلفة استئجار الوحدة الواحدة إلى نحو 200 مليون دولار سنويًا، بالإضافة إلى تكاليف الصيانة والتشغيل. هذه النفقات تأتي في وقت تعاني فيه مصر من ضغوط تمويلية بسبب تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي وارتفاع خدمة الديون. رغم ذلك، تبقى هذه الوحدات حلًا ضروريًا لضمان المرونة في استيراد الغاز خلال فترات الذروة أو عند تراجع الإنتاج المحلي.

مخاطر التغيرات المناخية

أصبحت الظروف المناخية المتطرفة تهديدًا مباشرًا لعمليات استخراج الغاز في البحر المتوسط، حيث تؤدي العواصف وارتفاع منسوب مياه البحر إلى تعطيل عمليات الحفر والإنتاج. كما أن الضغوط الدولية للتحول إلى الطاقة النظيفة قد تقلل من جاذبية الاستثمارات في مشاريع الغاز على المدى الطويل. مصر مطالوبة بموازنة بين زيادة إنتاجها من الغاز والتزاماتها البيئية الدولية، خاصة بعد مشاركتها في اتفاقيات خفض الانبعاثات.

مخاطر جيوسياسية متزايدة

تتعرض خطط مصر التوسعية في مجال الغاز لتحديات جيوسياسية، أبرزها النزاعات الحدودية في شرق المتوسط وتصاعد التوترات في المنطقة. أي اضطرابات في المنطقة قد تعطل خطوط الإمداد أو تؤخر مشاريع الاستكشاف، كما أن الاعتماد على شركات أجنبية في التكنولوجيا والتمويل يجعل مصر عرضة لتقلبات السياسات الدولية. هذه العوامل تتطلب دبلوماسية نشطة وحلولًا مبتكرة لحماية المصالح المصرية في سوق متقلب.

بين عاصفة التحديات العالمية ورؤية القيادة المصرية، تثبت مصر أن أمن الطاقة هو أولوية قصوى. النجاح في هذا الملف لن يؤمن الكهرباء للمواطنين فقط، بل سيضع البلاد على خريطة اللاعبين العالميين في سوق الغاز.