عبد الرحمن السيد
تتحرك مصر بخطوات متسارعة نحو ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي للطاقة، مستفيدة من الطفرة الكبيرة التي حققتها في قطاع الكهرباء خلال السنوات الأخيرة. وبعد أن تجاوزت مرحلة العجز المزمن الذي عانت منه قبل 2014، باتت تمتلك فائضًا كهربائيًا يقترب من 23 ألف ميجاوات، مما أتاح لها الانخراط بقوة في مشروعات الربط الكهربائي مع محيطها العربي والأفريقي والمتوسطي. وفي قلب هذه الاستراتيجية تأتي خطة تصدير الكهرباء إلى العراق وسوريا ولبنان عبر الأردن، بما يعزز الدور المصري في أمن الطاقة الإقليمي.
لماذا تركز مصر على تصدير الكهرباء الآن؟
ارتفعت القدرات الاسمية لمصر بنسبة 86.6% خلال عقد واحد، لتصل إلى نحو 59.7 ألف ميجاوات عام 2023/2024، مقارنة بـ 32 ألف ميجاوات فقط عام 2013/2014. وفي المقابل لم يزد الحمل الأقصى سوى بنسبة 41% ليبلغ 36.8 ألف ميجاوات. هذا الفارق الكبير بين الإنتاج والطلب المحلي وفر احتياطيًا ضخمًا يمكن توجيهه للتصدير.
وقد جاءت هذه الطفرة نتيجة لمشروعات عملاقة، من أبرزها محطات سيمنز الثلاث (العاصمة الإدارية، بني سويف، البرلس) بإجمالي قدرة 14.4 ألف ميجاوات، ومجمع بنبان للطاقة الشمسية بقدرة 1465 ميجاوات، ومزارع رياح جبل الزيت بإجمالي 580 ميجاوات.
الأردن: الجسر المصري إلى المشرق العربي
الربط الكهربائي بين مصر والأردن بدأ منذ التسعينيات بقدرة تبادلية تبلغ 450 ميجاوات، وتم الاتفاق عام 2021 على رفعها إلى 2000 ميجاوات. هذا الخط يمثل البوابة الاستراتيجية التي ستعتمد عليها مصر في نقل الكهرباء إلى العراق وسوريا ولبنان. كما أن موقع الأردن الجغرافي يجعله محورًا لتمرير الطاقة المصرية إلى المشرق العربي.
احتياجات العراق وسوريا ولبنان من الكهرباء
العراق: يعاني من عجز يتراوح بين 10 إلى 15 ألف ميجاوات، ويعتمد بشكل أساسي على استيراد الغاز والكهرباء من إيران.
سوريا: دمرت الحرب جانبًا كبيرًا من بنيتها التحتية، ولا يتجاوز إنتاجها 3000 ميجاوات مقابل احتياج فعلي يصل إلى 7000 ميجاوات.
لبنان: يعيش أزمة كهرباء خانقة، إذ لا يتجاوز متوسط التوليد 500 ميجاوات مقابل طلب يزيد عن 3000 ميجاوات، ما يجعله يعتمد على المولدات الخاصة.
هذا الوضع يفتح الباب أمام مصر لملء فجوة الطاقة في هذه الدول من خلال تصدير فائضها عبر شبكة الربط مع الأردن.
الربط المصري السعودي: خطوة استراتيجية داعمة
رغم أن المشروع الأساسي للتصدير إلى المشرق يمر عبر الأردن، إلا أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية يمثل العمود الفقري لشبكة عربية موحدة. وتبلغ قدرة تشغيل المرحلة الأولى 1500 ميجاوات ترتفع إلى 3000 ميجاوات باستثمارات تتجاوز 1.8 مليار دولار.
يتكون المشروع من ثلاث محطات محولات (في بدر – شرق القاهرة، تبوك، شرق المدينة المنورة) ترتبط بخطوط هوائية طولها 1350 كيلومترًا، إضافة إلى كابلات بحرية عبر خليج العقبة. وتبلغ نسبة التنفيذ حاليًا نحو 77%، مع توقع دخول الخدمة في منتصف 2025.
هذا الربط سيعزز من كفاءة التشغيل عبر الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة بين مصر والسعودية، ويتيح تقليل استهلاك الوقود وتحقيق عائد اقتصادي يصل إلى 20%.
المكاسب الاقتصادية والسياسية لمصر
اقتصادية، تتمثل في تعظيم الاستفادة من فائض الكهرباء بدلًا من بقائه معطلًا وتوفير مصدر جديد للنقد الأجنبي، قد يسهم بنسبة معتبرة في دعم الاحتياطي المصري وجذب استثمارات في قطاع الطاقة المتجددة بهدف التصدير للأسواق الخارجية.
أما سياسيًا، فتتمثل في استخدام الكهرباء كأداة دبلوماسية تدعم النفوذ المصري في المشرق العربي وتعزيز التعاون العربي في إطار أمن الطاقة وتقديم مصر كبديل استراتيجي موثوق لإمدادات إيران وتركيا في المنطقة.
حصاد رؤية استراتيجية
ويرى خبراء أن نجاح مصر في مشروع الربط الكهربائي مع دول المشرق العربي لا يقتصر على كونه ملفًا اقتصاديًا فقط، بل يمثل امتدادًا لدورها الإقليمي في بناء شراكات استراتيجية قائمة على المصالح المتبادلة، ويعزز من مكانتها كمركز للطاقة في الشرق الأوسط. كما أن توجيه الفائض من الكهرباء المصرية إلى هذه الدول يعكس قدرة القاهرة على تحويل التحديات الداخلية إلى فرص إقليمية، بما يرسخ فكرة أن الأمن القومي المصري مرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمن المنطقة واستقرارها.
وفي هذا الصدد، يقول النائب أحمد الخشن، عضو لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب، في تصريح خاص لموقع نافذة الشرق: إن “ما نشهده اليوم هو حصاد لرؤية استراتيجية متكاملة تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي، هدفها تعزيز مكانة مصر في خريطة الطاقة العالمية.”
وأضاف أن مشروع الربط المصري السعودي يمثل انطلاقة استراتيجية غير مسبوقة، وهو أول ربط للتيار المستمر عالي الجهد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بطاقة تصل إلى 3000 ميجاوات، وهو ما اعتبرته الوكالة الدولية للطاقة نموذجًا متفردًا للتعاون الإقليمي.
وأكد أن هذه الخطوات تعكس جدية مصر في بناء شبكة إقليمية متكاملة، قادرة على تلبية الاحتياجات المحلية والإقليمية، وجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل.
مصر كمركز إقليمي للطاقة
إلى جانب مشروعات الربط مع السعودية والأردن، تنفذ مصر ربطًا مع السودان (80 ميجاوات – يرتفع إلى 300 ميجاوات)، ومع ليبيا (150 ميجاوات – مستهدف 2000 ميجاوات)، ومع قبرص واليونان عبر مشروع EuroAfrica Interconnector بطاقة 2000 ميجاوات. هذه الشبكة تجعل من مصر نقطة التقاء بين أسواق الطاقة الأفريقية والعربية والأوروبية.
بين فائض إنتاج ضخم وبنية تحتية متطورة وشبكة ربط إقليمية متنامية، تتحرك مصر بخطوات واثقة نحو التحول إلى مركز طاقة إقليمي. وتظل خطتها لتصدير الكهرباء إلى العراق وسوريا ولبنان عبر الأردن خطوة استراتيجية، لا تعكس فقط قدراتها الفنية، بل تؤكد أيضًا دورها السياسي في صياغة مستقبل أمن الطاقة في المنطقة. وبذلك تصبح القاهرة لاعبًا لا غنى عنه في معادلة الطاقة الإقليمية والدولية.