مقاطعة ألبرتا “تـغـلـي” تحت الجليد الكندي !

تـقـريـر: أحـمـد إمـام

مؤامرة جيوسياسية “أمريكية” أم حراك داخلي ؟!

تتجدد نغمة الانفصال في الغرب الكندي مجددًا، وهذه المرة من بوابة مقاطعة ألبرتا الغنية بالنفط والغاز، والتي طالما شعرت بالتهميش من قبل الحكومة الفيدرالية في أوتاوا، فهل تتجه ألبرتا إلى خيار الاستقلال، أم أن صوت العقل الفيدرالي سيحتوي الأزمة، وما هو موقف “واشنطن” من “نظرية المؤامرة” ؟!

“ألبرتا” ثراء جغرافي وتنوع سكاني

تقع مقاطعة ألبرتا في قلب الغرب الكندي ويبلغ عدد سكانها نحو 4.5 مليون نسمة، موزعين بين مدن رئيسية مثل إدمونتون، والعاصمة وكالغاري مركز المال والطاقة، وتتميز بتنوع جغرافي بارز من جبال روكي إلى السهول الواسعة، كما تحتضن مزيجًا سكانيًا متعدد الأعراق والثقافات.

الذهب الأسود واقتصاد قوي

تمتلك ألبرتا واحدًا من أكبر احتياطيات النفط الرملي في العالم ما يجعلها مركز الثقل الاقتصادي في كندا، وتعتمد المقاطعة بشكل أساسي على قطاع الطاقة مما يجعل أي قرارات فيدرالية تمس هذه الصناعة وتؤثر مباشرة على وضعها الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب الطاقة تلعب الزراعة دورًا محوريًا في الاقتصاد المحلي، إضافة إلى قطاعات السياحة، التصنيع، والخدمات.

احتقان سياسي

تشعر شرائح واسعة من سكان ألبرتا في الفترة الأخيرة بأن الحكومة الفيدرالية لا تمثل مصالحهم، لا سيما مع تبني سياسات بيئية يرون فيها تهديدًا لصناعة النفط، وقد تعمق هذا الشعور عقب فوز الحزب الليبرالي الفيدرالي بولاية رابعة مؤخرًا، ويعتقد كثيرون أن مساهمات ألبرتا الضريبية تفوق ما تتلقاه من خدمات فيدرالية، ما يغذي شعورًا بالتهميش المالي !

قيادة متمردة

رئيسة وزراء ألبرتا “دانييل سميث” اتخذت مواقف متشددة في ملفات عديدة ورفضت الانخراط في سياسات فيدرالية تخص الطاقة والعلاقات مع الولايات المتحدة، مما رسخ صورة المقاطعة كـكيان “متمرد” داخل الاتحاد الكندي.

نظرية المؤامرة الأمريكية

يرى البعض أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تستفيد من إضعاف كندا عبر دعم نزعة الانفصال في ألبرتا، لما يوفره الإقليم من فرص اقتصادية وجيواستراتيجية، إلى جانب الخلافات التي ظهرت على السطح مؤخرًا بين البلدين منذ عاد دونالد ترمب للبيت الأبيض، الأمر الذي قد يشير لتدخلات أمريكية لإخضاع كندا !

حراك داخلي مشروع

على جانب آخر يرفض البعض هذه النظرية، معتبرين أن ما يحدث هو نتيجة طبيعية لشعور سكان ألبرتا بالتهميش، دون تدخل أميركي مباشر، وبحسب استطلاع حديث لمعهد Angus Reid فإن 36 % من سكان ألبرتا قد يصوتون لصالح الانفصال في استفتاء افتراضي، لكن نسبة المؤيدين “بالتأكيد” لا تتجاوز 19%، ما يعكس غياب الالتزام الحقيقي حتى الآن.

استطلاع الرأي

أظهر الاستطلاع أن أنصار حزب المحافظين هم الأكثر ميلاً لدعم الانفصال، في حين تمسك ناخبو الحزب الديمقراطي الجديد بالبقاء ضمن الكيان الكندي، وقد أظهر كثير من المؤيدين استعدادًا للتراجع عن موقفهم إذا استجابت الحكومة الفيدرالية لمطالبهم وعلى رأسها، إنشاء خط أنابيب يربط الشرق بالغرب، وإلغاء سقف الانبعاثات، إضافة إلى سحب مشروع القانون C-69.

السكان الأصليين

رغم احتجاجات السكان الأصليين المستندة إلى معاهدات تاريخية، إلا أن مؤيدي الانفصال لم يبدوا اهتمامًا كبيرًا بمطالبهم وفق نتائج الاستطلاع ذاته.

أزمة هوية لا مجرد خلاف سياسي

قال الدكتور علي محمد أستاذ العلوم السياسية، أن دعوات الانفصال في ألبرتا تعكس أزمة هوية عميقة، وشعورًا متزايدًا بالاستياء من النظام الفيدرالي، مؤكدًا على إنها ليست فقط رد فعل على سياسات اقتصادية أو بيئية، بل تعبير عن رغبة في إعادة تعريف العلاقة بين ألبرتا وكندا.

مضيفًا أن هناك عوامل معقدة تلعب دورًا، كالتوجهات الحزبية، وموقف السكان الأصليين، وتأثيرات محتملة لقوى خارجية، لذلك فإن الحل لا يكمن في التصعيد، بل في حوار صادق وشفاف يضمن مصالح جميع الأطراف ويصون وحدة كندا.

مستقبل على المحك

رغم أن فكرة الانفصال لا تحظى بأغلبية حاسمة، إلا أن تصاعد الشعور بالتهميش يضع ألبرتا على مفترق طرق حقيقي، فهل تنجح الحكومة الفيدرالية في احتواء الأزمة عبر إصلاحات جادة، أم أن كندا قد تواجه أول اختبار حقيقي لوحدتها ؟!