كتب عبد الرحمن السيد
في أعقاب موجة من الجدل الواسع والاعتراضات المجتمعية حول مشروع قانون الإيجار القديم، جاء تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي ليعيد النقاش إلى مربع التوازن، ويوجه الحكومة بمراعاة البُعد الاجتماعي في التعديلات المرتقبة، خاصة فيما يخص الوحدات السكنية. تصريحات رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي خلال اجتماع حكومي حسمت الأمر مؤقتًا، مشيرًا إلى أن “الفترة الانتقالية للوحدات السكنية ستكون أطول من التجارية، وبداية الإيجارات ستكون وفقًا لطبيعة الأحياء والمناطق”.
حراك حكومي وتوجيه رئاسي.. الموازنة بين المالك والمستأجر
تصريحات مدبولي لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة ضغوط مجتمعية وبرلمانية عقب رفض واسع للمشروع بصيغته السابقة، والذي تضمن بنودًا أثارت قلق ملايين من المستأجرين، خاصة مع نص المادة (2) التي رفعت القيمة الإيجارية للوحدات السكنية إلى 20 ضعفًا، على ألا تقل عن 1000 جنيه في المدن، و500 جنيه في القرى.
تلك الصيغة، وإن رأتها الحكومة في البداية محاولة لتحقيق العدالة للمالك، فقد رآها آخرون تحميلًا فوق طاقة محدودي الدخل، خصوصًا كبار السن والمواطنين الذين يعيشون في وحدات إيجار قديم منذ عقود. الأمر الذي دفع بالرئيس للتدخل وتهدئة الأجواء بتوجيهات واضحة تأخذ في الاعتبار الفئات الأكثر احتياجًا، وهو ما أكده رئيس الوزراء صراحة في تصريحه: “مراعاة ما أثير حول القانون سيكون أولوية، والبداية ستكون تدريجية وبحسب المناطق”.
البرلمان يتفاعل.. لجنة الإسكان ترحب وتنتظر التعديلات
من جانبه، أكد النائب أمين مسعود، أمين سر لجنة الإسكان بمجلس النواب، أن اللجنة ترحب بتوجيهات الرئيس السيسي، معتبرًا إياها دليلاً على حرص الدولة على العدالة الاجتماعية. وأضاف: “توجيهات الرئيس تثبت أنه حريص على الفئات الأكثر احتياجًا، وهذا متوافق مع طلبات المواطنين التي ظهرت في جلسات الاستماع البرلمانية”.
وشدد “مسعود”، في تصريحات خاصة لـ موقع نافذة الشرق، على أن اللجنة “مستعدة لمناقشة أي تعديلات ترد من الحكومة على مشروع القانون”، مشيرًا إلى أن النقاشات تقوم على تحقيق توازن حقيقي دون الانحياز لطرف على حساب الآخر.
الإدارة المحلية: نحتاج لوحدات بديلة ودعم مباشر للمستأجرين
أما النائب السيد شمس الدين، عضو لجنة الإدارة المحلية، فقد تحدث من زاوية أخرى، مؤكدًا أن الرئيس السيسي سبق وأن أشار إلى أن قانون الإيجار القديم فيه ظلم للملاك، لكن التوجيهات الأخيرة تظهر اهتمامًا واضحًا بمراعاة ظروف المستأجرين.
وأوضح شمس الدين،في تصريحات خاصة لـ موقع نافذة الشرق، أن اللجنة طالبت وزير الإسكان في البرلمان بالرد على سؤال محوري: “هل يمكن للدولة توفير وحدات بديلة للمستأجرين بعد خمس سنوات؟ أم أن المدة يجب أن تمتد إلى سبع سنوات؟”.
وتابع النائب: “نقترح أن تتدخل مصلحة الضرائب العقارية لتحديد متوسط القيمة الإيجارية حسب الإحصاءات، لأن طبيعة المناطق تختلف، وما يناسب حيًا راقيًا لا يناسب حيًا شعبيًا”. وأشار إلى اقتراح برلماني بإنشاء صندوق دعم للمستأجرين الغلابة، لتخفيف آثار الانتقال أو زيادة القيمة الإيجارية.
المواد المثيرة للجدل في مشروع القانون
أحد أبرز أسباب الغضب من مشروع القانون كانت المادة (5)، التي نصت على انتهاء عقود الإيجار بعد خمس سنوات من العمل بالقانون، مع إلزام المستأجر بالإخلاء بموجب أمر قضائي حال الامتناع. كما نصت المادة (4) على زيادة سنوية بنسبة 15% في القيمة الإيجارية، وهي نسبة اعتبرها بعض المتخصصين مبالغًا فيها في ظل ظروف اقتصادية معقدة.
في الوقت نفسه، حاول مشروع القانون أن يطرح مخرجًا، حيث نصت المادة (7) على منح المستأجرين الذين ستنتهي عقودهم أولوية في الحصول على وحدات من الدولة إيجارًا أو تمليكًا، وفقًا لبوابة إلكترونية تُنشأ خلال شهر من صدور القانون. لكن المادة لم تقدم إجابة واضحة بشأن قدرة الدولة على توفير تلك الوحدات في الوقت المناسب أو تمويلها.
نظرة مستقبلية.. والأنظار تتجه إلى الحكومة
وفقًا للنائب شمس الدين، فإن لجنة الإسكان لا تزال تنتظر تعديلات الحكومة على المشروع، مشيرًا إلى أن المحافظين الذين يمتلكون أكبر عدد من وحدات الإيجار القديم قدّموا بيانات دقيقة حول الموقف على الأرض خلال اجتماع برلماني الأسبوع الماضي. وأضاف: “لم نبدأ بعد مناقشات مشروع القانون، ومن الممكن أن تبدأ في 15 يونيو، على أن يُعرض في الجلسة العامة أول يوليو”. محذرًا من أنه “إذا لم يُصدر القانون، ستكون هناك مشكلة كبيرة، لأن المواطنين سيلجؤون للقضاء استنادًا إلى حكم المحكمة الدستورية”.
وكان مجلس النواب قد أصدر بيانًا سابقًا عقب حكم المحكمة الدستورية العليا، التزم فيه بتنفيذ الحكم، ما يضع المجلس في موقف لا يمكن تجاهله بشأن تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر.
أبعاد اجتماعية وقانونية.. المطلوب توازن لا تصعيد
الملاحظ في تطورات الملف أن هناك إدراكًا واضحًا من مؤسسات الدولة بخطورة تفجير الأوضاع بين المالك والمستأجر، وأن الوصول إلى صيغة وسط تأخذ في الحسبان البُعد الاجتماعي لم يعد ترفًا بل ضرورة.
وقال النائب السيد شمس الدين إن التحدي الأكبر ليس فقط في تحديد القيمة الإيجارية أو الفترة الانتقالية، بل في ضمان تنفيذ القانون بشكل لا يؤدي إلى تشريد الأسر أو إفقارها. ويقول أستاذ التشريعات العمرانية الدكتور طارق عبد العظيم إن “أي مشروع قانون يُناقش الآن يجب أن يقدم حلولاً عملية لا مجرد نصوص، ويُفضل أن يتضمن حوافز للملاك مقابل التنازل عن الإخلاء، مثل إعفاءات ضريبية أو تسهيلات في البناء”.
خطوة على الطريق أم بداية جدل جديد؟
مع التوجيهات الرئاسية الأخيرة، يتجدد الأمل في أن يكون القانون المرتقب للإيجار القديم خطوة نحو عدالة متوازنة لا تنتصر لطرف على حساب الآخر. وبينما يستعد البرلمان لمناقشة التعديلات في يونيو، يترقب الشارع المصري ما ستقدمه الحكومة من حلول أكثر واقعية، خصوصًا في ظل مطالب بمد الفترة الانتقالية، وربط الزيادة الإيجارية بمؤشرات موضوعية، وتوفير وحدات بديلة فعلية.
وتبقى الكرة الآن في ملعب الحكومة والبرلمان معًا، لتقديم تشريع يُرضي الطرفين، ويضمن استقرارًا اجتماعيًا طال انتظاره في ملف ظل لعقود أحد أكثر الملفات الشائكة على طاولة المشرّعين.