من موسكو إلى نيودلهي وبكين.. عقوبات أميركا تخلط أوراق الحرب والاقتصاد فماهى المخاطر على الأسواق العالمية

كتب إسلام ماجد

في خطوة قد تغير مجرى الدعم الأمريكي لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي المستمر، يعاود السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام وعضو مجلس النواب الديمقراطي بريان فيتزباتريك الضغط لتمرير مشروع قانون يفرض عقوبات قاسية على موسكو إذا رفضت التفاوض على اتفاق سلام عادل. هذا المشروع، الذي يُرعى منذ أشهر، لا يقتصر على روسيا فحسب، بل يمتد إلى فرض عقوبات ثانوية على دول كبرى مثل الهند والصين، اللتين أصبحتا أكبر مشتريات النفط الروسي في العالم. ومع اقتراب مناقشة قانون الإنفاق الحكومي المؤقت، يرى الرعاة فيه فرصة ذهبية لإجبار الكونجرس على التصويت، رغم التردد السابق الذي فرضه الرئيس دونالد ترامب.

يأتي هذا التطور في وقت حاسم، حيث يدخل الصراع الأوكراني عامه الثالث، مع خسائر بشرية واقتصادية هائلة. مشروع القانون، الذي يُعرف رسميًا باسم “قانون فرض الضغط على روسيا للسلام”، يهدف إلى ربط أي تفاوض مستقبلي بتوقف روسيا عن دعم قواتها العسكرية من خلال إيرادات النفط. وفقًا لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة، بلغت صادرات النفط الروسي إلى الهند والصين أكثر من 3 ملايين برميل يوميًا في الشهور الأخيرة، مما يساهم في تمويل الحرب بنحو 100 مليار دولار سنويًا. العقوبات الثانوية المقترحة ستضغط على هذه الدول للحد من مشترياتها، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، لكن الرعاة يرون في ذلك “ضرورة أخلاقية واقتصادية” لإنهاء النزاع.

جراهام، الذي يُعتبر من أبرز الشخصيات الجمهورية الداعمة لأوكرانيا، وفيتزباتريك، الديمقراطي الذي يمثل منطقة بنسلفانيا ذات التركيز على الطاقة، عملا معًا لصياغة هذا التشريع منذ يناير الماضي. في البداية، واجه المشروع عقبات كبيرة داخل الكونغرس. قادة مجلس الشيوخ، مثل ميتش ماكونيل، ومجلس النواب، بقيادة مايك جونسون، امتنعوا عن طرحه للتصويت، خوفًا من رد فعل الرئيس ترامب. كان ترامب، الذي يفضل سياسة “أمريكا أولًا”، مترددًا في فرض عقوبات مباشرة على روسيا، مفضلًا بدلًا من ذلك فرض رسوم جمركية على الواردات من الهند، ثاني أكبر مشترٍ للنفط الروسي بعد الصين. هذه الرسوم، التي اقترحها ترامب في حملته الانتخابية، تهدف إلى حماية الصناعة الأمريكية، لكنها لا تستهدف الضغط المباشر على موسكو.

ومع ذلك، شهدت الأمور تحولًا دراماتيكيًا يوم السبت الماضي، عندما أعلن ترامب في تصريح رسمي أن الولايات المتحدة مستعدة لفرض عقوبات جديدة على قطاع الطاقة الروسي، شريطة أن توقف جميع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) شراء النفط الروسي وتطبق إجراءات مماثلة. هذا التصريح، الذي أُعلن أثناء قمة افتراضية مع قادة الناتو، يُعتبر إشارة إيجابية للرعاة، الذين أشادوا به فورًا. في بيان مشترك صادر اليوم، قال غراهام وفيتزباتريك: “هذا الأسبوع، سنحث زملاءنا، من كلا الحزبين، على الانضمام إلينا في دفع هذا التشريع قدمًا والوقوف مع الحرية ضد الطغيان. فالوقت جوهري.” وأضافا: “نحن نؤمن بقوة أن الجمع بين العقوبات والرسوم الجمركية، إلى جانب بيع الأسلحة الأميركية المتطورة لأوكرانيا، هو المفتاح لدفع بوتين إلى طاولة المفاوضات من أجل سلام عادل ومشرّف.”

يُعد قانون الإنفاق الحكومي المؤقت الوسيلة المثالية لتمرير هذا المشروع، حيث يُستخدم لتمديد الإنفاق الحكومي مؤقتًا حتى يتم التوصل إلى ميزانية كاملة. هذا القانون، الذي من المتوقع مناقشته في الأسابيع المقبلة، يتيح إضافة تعديلات تشريعية دون الحاجة إلى تصويت منفصل، مما يتجنب الفيتو الرئاسي أو الانسداد الحزبي. ومع ذلك، لم يرد البيت الأبيض بعد على طلب تعليق بشأن محاولات الرعاة لإدراج العقوبات ضمن القانون، مما يثير تساؤلات حول مدى دعم إدارة ترامب الحقيقي لهذه الخطوة. مصادر مقربة من الرئاسة أشارت إلى أن ترامب يريد ضمانًا من حلفاء الناتو، مثل ألمانيا وفرنسا، قبل التقدم، لتجنب أي تأثير سلبي على أسعار الوقود في الولايات المتحدة.

من الناحية السياسية، يعكس هذا المشروع التوترات داخل الحزب الجمهوري نفسه. بينما يدعم جراهام، الذي زار كييف مرات عديدة، الدعم العسكري الكامل لأوكرانيا، يرى آخرون مثل السناتور راند بول في العقوبات “تصعيدًا غير ضروري” قد يؤدي إلى حرب تجارية مع الصين والهند. أما فيتزباتريك، الذي يمثل منطقة صناعية تعتمد على الطاقة، فيؤكد أن “السلام في أوكرانيا يعني استقرارًا عالميًا للأسعار”. وفي سياق أوسع، يأتي هذا الضغط وسط تصاعد التوترات الروسية، حيث أعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن تدريبات عسكرية جديدة قرب الحدود الأوكرانية، مما يزيد من الحاجة إلى إجراءات حاسمة.

إذا تم تمرير المشروع، فإنه قد يغير ديناميكية الصراع بشكل جذري. الرعاة يتوقعان أن يدفع بوتين نحو المفاوضات، خاصة مع اقتراب الشتاء الذي يعتمد فيه الاقتصاد الروسي على إيرادات النفط. ومع ذلك، يحذر خبراء من وزارة الخزانة الأمريكية من أن العقوبات الثانوية قد تؤثر على الاقتصاد العالمي، حيث تعتمد الهند على النفط الروسي بنسبة 40% من وارداتها. في النهاية، يبقى السؤال: هل سينجح جراهام وفيتزباتريك في تحويل قانون الإنفاق الحكومي المؤقت إلى أداة للسلام، أم ستبقى العقوبات مجرد تهديد فارغ؟ الإجابة قد تكون واضحة في الأسابيع المقبلة، مع استمرار الكونجرس في مناقشاته الحساسة.

أحمد ماجد: العقوبات الأميركية على روسيا بين ورقة ضغط ومخاطر اقتصادية

وفي سياق متصل، أكد أحمد ماجد، الباحث في الدراسات السياسية والاستراتيجية، في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن مشروع القانون الأميركي الجديد يمثل “تحولًا مهمًا” في مسار الحرب الأوكرانية، ليس فقط بسبب استهدافه المباشر لروسيا، بل لأنه يوسع نطاق العقوبات ليشمل دولًا كبرى مثل الهند والصين.

وأوضح ماجد أن “ربط مشروع القانون بقانون الإنفاق الحكومي المؤقت يُعد تكتيكًا ذكيًا من المشرعين، لأنه يسهّل تمريره داخل الكونغرس بعيدًا عن الانقسامات الحزبية المعتادة”، لكنه حذر في الوقت نفسه من أن هذا المسار يحمل مخاطر اقتصادية كبيرة.

وأضاف: “الهند والصين من أكبر مستوردي النفط الروسي، وفرض عقوبات ثانوية عليهما قد يُشعل توترًا دبلوماسيًا ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، وهو ما ينعكس على المواطن الأميركي والأوروبي قبل غيره”.

وأشار الباحث إلى أن “موقف الرئيس ترامب المشروط بتضامن حلفاء الناتو يعكس أن الإدارة الأميركية تدرك حجم المخاطر، وتسعى لضمان غطاء دولي واسع قبل أي خطوة، خاصة مع حساسية أسعار الوقود في الداخل الأميركي”.

وختم ماجد تصريحه بالتأكيد على أن “المشروع يحمل وجهين؛ فهو قد يكون ورقة ضغط حقيقية لدفع موسكو إلى التفاوض، لكنه في المقابل قد يفتح الباب أمام أزمة اقتصادية أوسع إذا لم يُدار بتوافق دولي وحسابات دقيقة للأسواق”.