كتب: عبد الرحمن السيد
في خطوة تهدف إلى تعزيز استقرار شبكة الكهرباء خلال أشهر الصيف، أعلنت الحكومة المصرية عن استقدام أربع سفن محمّلة بالغاز الطبيعي المسال، لدعم تغذية محطات الكهرباء خلال شهور الذروة، التي تشهد ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة والاستهلاك.
خلفية القرار.. لماذا الغاز الآن؟
تأتي هذه الخطوة بعد تراجع في إنتاج مصر المحلي من الغاز الطبيعي، والذي كان يصل إلى نحو 6 مليارات قدم مكعب يوميًا، بحسب ما أشار إليه النائب محمد بدراوي، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، مضيفًا أن التراجع اضطر الحكومة إلى اللجوء للاستيراد من الخارج، لسد الفجوة بين الإنتاج المحلي والاحتياجات المتزايدة للكهرباء.
وأوضح بدراوي، في تصريحات خاصة لـ موقع نافذة الشرق، أن المشكلة ليست في إنتاج الكهرباء أو توزيعها، بل في توفر الوقود اللازم لتشغيل المحطات، قائلاً: “الوقود هو العنصر الأساسي، وإذا لم يتوافر الغاز بالقدر الكافي، تتأثر قدراتنا الإنتاجية من الكهرباء، لذلك نلجأ للغاز المسال المستورد كحل مؤقت لدعم الشبكة.”
هل يوجد تنسيق بين البترول والكهرباء؟
وفقا لما أعلنت عنه الحكومة، فوزارتي الكهرباء والبترول على تنسيق كامل بين الجانبين لتأمين احتياجات محطات التوليد من الوقود خلال أشهر الصيف. وتقوم وزارة البترول بتقدير الكميات المطلوبة، وتوفيرها إما من الإنتاج المحلي أو عبر استيراد الغاز المسال، بينما تتولى وزارة الكهرباء توزيع الأحمال والتحكم في استهلاك الشبكة.
من أين تأتي السفن؟ وما الذي تحمله؟
تعمل وزارة البترول على التعاقد مع موردين دوليين لتوفير الغاز المسال، وخاصة من دول مثل قطر، والولايات المتحدة، وربما من الأسواق الآسيوية أو الأوروبية، بحسب ما يتوافر بأسعار مناسبة في السوق الفوري. وتُرسل السفن المحمّلة بالغاز إلى الموانئ المصرية المجهزة بوحدات إعادة التغييز (FSRU)، وهي محطات بحرية على ظهر السفن تقوم بتحويل الغاز من حالته السائلة إلى حالته الغازية ليُضخ في شبكة التوزيع.
كم تغطي هذه السفن من احتياجاتنا؟
تُقدر حمولة السفينة الواحدة من الغاز المسال بنحو 3 إلى 3.5 تريليون وحدة حرارية بريطانية (BTU)، تكفي لتغذية الشبكة بنحو 250 إلى 300 مليون قدم مكعب يوميًا. وبالتالي فإن أربع سفن يمكن أن توفر نحو 1.2 مليار قدم مكعب يوميًا، ما يُمثل دعمًا كبيرًا لتأمين احتياجات الكهرباء في ذروة الاستهلاك.
تكلفة الاستيراد مقابل الإنتاج المحلي
فيما يتعلق بالتكلفة، يؤكد النائب محمد بدراوي أن استيراد الغاز المسال أكثر تكلفة من إنتاجه محليًا، لعدة أسباب منها تكاليف النقل، والتسييل، وإعادة التغويز. وتشير التقديرات إلى أن تكلفة الغاز المسال المستورد قد تصل إلى ما بين 10 و15 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية، بينما تكلفته محليًا تتراوح بين 2 و5 دولارات.
ومع ذلك، فإن ارتفاع أسعار الغاز عالميًا منذ الأزمة الأوكرانية، جعل تأمين الإمدادات أكثر صعوبة، ما ينعكس على الميزانية العامة للدولة وميزان المدفوعات.
هل يتأثر المواطن؟
حتى الآن، لم تعلن الحكومة عن أية زيادات مباشرة في أسعار الكهرباء للمواطنين نتيجة استيراد الغاز، ولكن مع استمرار الضغط على دعم الطاقة، قد تتجه الدولة إلى مراجعة هيكل التسعير تدريجيًا، لا سيما في الشرائح الأكثر استهلاكًا. وفي هذا السياق، أشار بدراوي إلى ضرورة مراعاة البُعد الاجتماعي في أي قرارات مقبلة تخص أسعار الكهرباء.
التأثير على ميزان المدفوعات
يمثل استيراد الغاز عبئًا إضافيًا على ميزان المدفوعات، خصوصًا مع استمرار أزمة النقد الأجنبي، إذ أن العقود تتم بالدولار أو اليورو. ومع ذلك، تؤكد الحكومة أن هذه الخطوة ضرورية للحفاظ على استقرار الشبكة الكهربائية وتفادي الانقطاعات التي تؤثر سلبًا على الإنتاج الصناعي، والسياحة، والحياة اليومية للمواطنين.
ما خطة الحكومة لتعزيز الإنتاج المحلي؟
تسعى الحكومة إلى إعادة تعزيز قدرات الإنتاج المحلي من خلال مشروعات جديدة، على رأسها مشروع تطوير حقل رشيد، بالإضافة إلى مشروعات صيانة ورفع كفاءة الحقول القديمة، فضلًا عن جذب استثمارات جديدة في قطاع الاستكشاف.
وأشار بدراوي إلى أن مصر تتحرك بخطى ثابتة في ملف الغاز الطبيعي، وأن المحطة الجارية في حقل رشيد تعد بداية جديدة لموجة إنتاجية مرتقبة بنهاية 2025، ما سيسهم في تخفيف الاعتماد على الواردات.
نظرة مستقبلية
بينما تمثل الخطوة الحالية باستقدام الغاز المسال إجراءً تكتيكيًا لتجاوز أشهر الصيف، إلا أن النظرة المستقبلية تتركز على تعزيز الاكتفاء الذاتي مرة أخرى، من خلال رفع الإنتاج، وتقليل الفاقد، وتحسين كفاءة الاستهلاك، وتوسيع الشراكات الاستثمارية في قطاع الطاقة.
ويبدو أن مصر تراهن على الجمع بين الحلول قصيرة الأجل من جهة، والإصلاحات الهيكلية طويلة الأجل من جهة أخرى، بما يضمن تأمين الطاقة وتفادي أزمات الانقطاع، والحفاظ في الوقت ذاته على توازن الاقتصاد الكلي.
ولدى مصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعي، الأول في إدكو مملوك للشركة المصرية للغاز الطبيعي المسال، ويضم وحدتين للإسالة بطاقة استيعابية تصل إلى نحو 1.35 مليار قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي، والآخر في دمياط ومملوك لشركة «إيني» الإيطالية والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، وهيئة البترول، ويضم وحدة فقط بطاقة تصل إلى نحو 750 مليون قدم مكعبة يومياً.
وبدأت وزارة البترول المصرية في أبريل من العام الماضي استيراد شحنات من الغاز المسال لمواجهة الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي من قِبل قطاع الكهرباء، والحد من انقطاعات التيار خلال فترة الشهور الماضية.
وخلال مايو من العام الماضي، أعلنت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، التعاقد مع شركة هوج للغاز المسال النرويجية لاستئجار الوحدة العائمة «هوج جاليون» للغاز الطبيعي المسال، وذلك بهدف المساهمة في تأمين الاحتياجات الإضافية للاستهلاك المحلي خلال أشهر الصيف.