نائب رئيس “الطاقة الذرية” سابقًا لـ«نافذة الشرق»: التسريبات أخطر من القنابل.. ومصر بلا ملاجئ نووية

محمد صفوت

في المؤتمر المصري للتوعية بمخاطر الحروب النووية الذي أقامته وزارة الشباب والرياضة بالتعاون مع اتحاد طلاب تحيا مصر ثم في ندوة نقابة المهندسين بأسم “التوعية عن التسريبات النووية” كان القاسم المشترك وجود القيمة والقامة الأستاذ دكتور علي عبد النبي نائب رئيس هيئة الطاقة الذرية سابقا والذي كان من الواجب إجراء حوار معه بعد بعض الذعر الذي انتاب المصريين في الفترة الأخيرة لو حدث ما هددت به إيران وما زالت تهدد به بضرب اسرائيل بالقنابل النووية واحتمال حدوث تسريبات إشعاعية أو نووية إلى مصر.

بوضوح لماذا لم تمتلك مصر حتى الآن القنبلة النووية التي تعطيها القوة والهيمنة المطلوبة أمام الدول الكبرى عبر العالم مثل كوريا الشمالية والهند وباكستان؟
القنبلة النووية تحتاج إلى التخزين والصيانة وهي أمور تحتاج أموال طائلة وأغلب تلك الدول تأثرت إقتصاديا بسبب العمل على مشروع القنبلة النووية المرتفع التكلفة ، الهند وباكستان تمتلكان القنبلة النووية لكنهم لن يفعلوا بها شيئا ، في وجهة نظري لن تستطيع أي دولة ضرب دولة اخرى بالقنابل النووية مثلما فعلت أميركا في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، كما أن مصر مشتركة وقامت بالإمضاء على اتفاقيات عالمية لنزع الأسلحة النووية والأمر عليه رقابة عالية وليست أمر يمكن عمله في الخفاء ، ولديك البديل الأهم وهو الأسلحة الكيمائية لأننا لسنا مشتركين في معاهدة منع الأسلحة الكيميائية ، أسلحة الدمار الشامل معروف انواعها وهي النووي والبيولوجي والكيميائي , الأسلحة النووية مكلفة واستنزفت جزء كبير من ميزانية الدول التي قامت بتصنيعها ، لو لاحظت ستجد أن إسرائيل ضربت إيران بالقنابل الخارقة وليست النووية.
للأسف اصبحت الجماعات الإرهابية الكبيرة المنظمة بشكل واضح ولديها دعم مالي يمكنها عمل قنبلة نووية ، الصعوبة في الأمر تكمن في الحصول على اليورانيوم المخصب .
أي قنبلة نووية يتم تفجيرها من خلال الكتلة الحرجة والتي تتكون من كتلتين سويا معهم مفجر ، ويمكن التحكم من خلال المفجر متى يشتغل هل حين الاصطدام بالأرض أو على مسافة معينة من الاصطدام بالأرض ، هناك تفكير في تحت سطح الماء وهناك تفجير تحت الارض وهناك تفجير على سطح الارض وهناك تفجير في الهواء وهو أقواهم في الاشتعال والتأثير .
العلم الآن تقدم فأصبح الاهتمام بالصواريخ المحملة بالقنابل النووية الصغيرة اهم واخطر من القنبلة النووية الكبيرة ، لذا رفع نسبة التخصيب أصبح هو الأكثر استخداماً من أجل تصغير حجم القنبلة ، فمثلا إيران حاليا وصلت لنسبة تخصيب تصل ستين بالمائة ولهذا ستكون القنبلة عندهم كبيرة لكن لو وصل إلى تسعين بالمائة يمكنه عمل قنبلة صغيرة.

هناك مشكلة كبيرة دائما ما تنوه عنها وهي غاز الرادون والذي تسبب في إنتشار مرض سرطان الصدر ؟
الرادون مادة مشعة، يُمكن للإشعاع أن يُلحق الضرر بالصدر، مما يُؤدي إلى السرطان . ويُقدّر الخبراء أن التعرض للرادون هو ثاني أكثر أسباب سرطان الرئة شيوعًا والسبب الأول هو التدخين.
احيانا يكون موجود بكثافة في الأراضي الزراعية وثاني مكان يتواجد فيه بكثرة هي الأماكن المغلقة ولهذا يصاب أي شخص بسرطان الصدر أو اقام لفترة طويلة في شقة سفلية أو بدروم بهذا المرض أو الذي يغلق شقته لفترة طويلة ولا يقوم بفتحها وجعل الهواء يدخل إليها.
وربما تعد أكبر أكذوبة هي إشاعة “لعنة الفراعنة” لأنه من الطبيعي حينما تفتح أي مكان به جثة فرعونية تم تحنيطها أو مقبرة فرعونية أن تكون مغلقة لفترة طويلة جدا وبالتالي بها كمية غير عادية من غاز الرادون ، وبالطبع حينما يفتح هذا المكان الاثري يتعرض كل من فتحه لكمية كبيرة من غاز الرادون تؤدي بنسبة كبيرة إلى سرطان الصدر والوفاة ، ومن أشهر من مات بهذا الأمر عالم الآثار (هاورد كارتر) الذي اكتشف مقبرة توت عنخ آمون.
وفي أمريكا مثلا لا يمكن أن تحصل على تصريح بشراء بيت إلا لو حصلت على شهادة من شركات معتمدة لدى الجهات الحكومية بأن نسبة غاز الرادون في المنزل في النسب المعقولة من خلال جهاز الكتروني يقيسه في المنزل بإستمرار.

الدكتور علي أهم سؤال للمصريين ماذا يفعلون في حال حدوث ما تهدد به إيران وحدث ما لا يحمد عقباه بوجود تسريبات نووية في حال ضرب قنابل نووية أو تسريبات إشعاعية في حال ضرب إيران لمفاعل إسرائيل النووي الموجود في ديمونا في صحراء النقب ؟
أطالب وما زلت أطالب بوجود الملاجيء النووية أو الإشعاعية للتأمين من الخطر المحتمل حدوثه كما يحدث في الدول الأوروبية مثل سويسرا وفي أميركا وكندا وحتى في إسرائيل ، هناك إحتياطات أخرى يمكن اتخاذها ولكنها ليست بنفس درجة أمان الملاجيء المنشأة خصيصا لهذا الغرض ، لو تعذر إنشاء ملاجيء وحدث الخطر المحتوم فيجب على وجه السرعة أن يلزم كل شخص بيته ويحاول إغلاق كل النوافذ ولو امكن يجب تركيب مانع للتسرب وأسقف تمنع دخول أي هواء خارجي واستخدام مياه معدنية ومعلبات والبعد عن مياه الصنبور والأغذية التي تباع في الاسواق المفتوحة ، ولا تقوم إطلاقا بحك جسمك أو أنفك ، ولو استلزم الخروج للضروريات يجب إستخدام الكمامة والملابس تكون من الملابس العازلة ويتم تعقيمها بطريقة علمية صحيحة عند العودة للمنزل ويفضل استخدامها لمرة واحدة ثم حرق الملابس والتخلص منها ، ويمكن استخدام ما يسمي بفلتر تنقية الهواء من التسريبات الإشعاعية النووية والذي يعمل بطريقة تشبه الكمامة تقريبا ، أوضح أن الهواء ليس ملوث لأنه مكون من هيدروجين ونيتروحين وهي مواد غير ملوثة بل تدخل على الهواء إحيانا مكونات خارجية ملوثة يمكن التعامل معها بالطريقة العلمية الصحيحة من خلال فصل الهواء عن تلك المكونات الملوثة ، وإذا جاءت هذه الملوثات الإشعاعية أو النووية على جسمك يمكنك إبعادها.

يختلط الأمر على اغلب الناس بخصوص التسريبات النووية والإشعاعية ؟
التسريبات النووية تكون من القنابل النووية أو الهيدروجينية واحيانا تكون ما نطلق عليها “القنابل النووية القذرة” وهي مزيج ما بين البارود ونسبة قليلة من المواد النووية المشعة لإحداث ضرر مزدوج وهو القتل فضلا عن إنتشار الإشعاع ، وهي تختلف عن القنابل النووية المعروفة التي حينما تنفجر تعطي شكل عيش الغراب ، يمكن أن تحدث تسريبات نووية وإشعاعية من مفاعل نووي ، يعني مثلا زلزال تسونامي في اليابان عام 2011 تسبب في حدوث تسرب إشعاعي من محطة فوكوشيما النووية بقطع التيار الكهربائي ثم ساهم الفيضان في إتلاف المولدات التي تعمل تلقائيا حين إنقطاع المفاعل النووي لأنها كانت على ارتفاع ليس بالكبير ، وبعدها تفطنت كل المفاعل النووية عبر العالم لذلك وبدأت تضع المولدات التي تعمل ذاتيا بعد إنقطاع الكهرباء على ارتفاع كبير حتى لا يستطيع أي إعصار أو فيضان أو زلزال الإقتراب منها ، ومن حسن حظ اليابان أن التسريب ذهب للمحيط الهادي لأن اتجاه الرياح كان في اتجاه المحيط الهاديء ، كما صرفت اليابان على هذه الحادثة نحو 200 مليار دولار ، على عكس حادثة تشيرنوبيل حينما وقع انفجار في مفاعل نووي في أوكرانيا عام 1986 مما أدى إلى إطلاق كميات كبيرة من المواد المشعة نحو الغلاف الجوي وللأسف تم تطايرها في الهواء عبر الرياح ووصلت لبعض الدول المجاورة للإتحاد السوفيتي كما كان يطلق عليه حينها ، شخصيا مريت بموقف غريب أثناء عملي في هيئة الطاقة النووية أن قامت إحدى الزميلات بوضع قطعة يورانيوم مشع تحت مكتبها خوفا على ضياعها ، وكاد يحدث بسبب ذلك تسريبات إشعاعية لكننا اضطررنا لاخبار المسؤولين عن التسريبات ، وجاءوا لنا وقاموا بتعقيم المكاتب والتعامل مع الموقف بالطريقة العلمية وتم تحويل الزميلة للتحقيق الفوري وتم توقيع جزاء قاسي عليها ، وكانوا يعطونا بادج معين ليقيس نسبة الأشعاع التي نتعرض لها حتما بحكم العمل، وإذا وصلت لمرحلة ما في بداية الخطورة كان يتم تعقيم الموظف في هيئة الطاقة النووية بالشكل العلمي السليم ثم يطلب منه الراحة في منزله لعدة أشهر ، أيضا قام المسؤولين عن محور الضبعة بعمل اختبار لتفجير نووي شكلي لتجربة كيف يتم التعامل مع التسريب النووي والانفجار النووي وكان اتجاه الرياح نحو الشمال الغربي ، وأصبح لديهم في مفاعل الضبعة الخطة التحضيرية الكاملة والسريعة جدا في حال حدوث تسرب إشعاعي لا سمح الله ، وهناك في عملنا ما يسمى حول العالم وفي كل الدول “هيئة الطواريء الإشعاعية” وهي تستخدم في حال اي تسرب إشعاعي وتكون لها هيئة مكونة من رئيس الوزراء والوزير المختص وعدد من القيادات التنفيذية كالمحافظ وقيادات من الشرطة والجيش وهو أمر متبع في كل دول العالم ، هذه الهيئة مهمتها سرعة التعامل مع الامر بطريقة علمية سليمة وبقدر عالي من الحيطة والحذر وحسن التصرف ولديهم كافة الصلاحيات من أجل تقليل عدد الإصابات وحصر حالة الوفيات ، ويمكنهم إيضا بصلاحيات واسعة إجلاء كل المدن القريبة من التسريب الإشعاعي النووي ، أيضا أصبح في كل المفاعلات النووية الآن تقنية جديدة وهي وعاء الاحتواء الذي يقوم بالعمل اوتوماتيكيا في حال اي تسريب بإدخال المفاعل داخل وعاء كبير يغلق عليه لمنع التسريب خارج حدود المفاعل ، أيضا المواد المنصهرة الناتجة عن تخصيب اليورانيوم تكون درجة حرارتها غالية جدا قريبة من درجة حرارة الحمم البركانية فيتم استخدام ما يسمي cool catcher وهي عبارة عن فتحات في سطح ارض المفاعل تقوم بامتصاصها وتبريدها وتخزينها داخلها حتي لا تتسرب إلى المحيطات أو البحار ويتم الإغلاق عليها بعناية والتحكم فيها بطريقة علمية سليمة ،
وبصراحة من الأمور الغريبة في مصر أنه حينما يرى الناس أي قنبلة يذهبون للاقتراب منها وتصويرها لكن الأمر في التسريب النووي الاشعاعي يجب أن يكون عكس ذلك تماما وإذا ما استطعت الجري بعيدا عن المكان فيفضل ذلك وتترك الأمر كليا للمتخصصين في المجال لسرعة التعامل مع المشكلة في وقتها ، يجب زيادة وعي الشعب المصري في هذه الجزئية الخطيرة.

ربما لا يعرف الأغلب أن الطاقة النووية لها إستخدامات مهمة وسلمية ، اتمنى نعرف اغلب المتابعين بها ؟
المعلبات مثلا في فترات قديمة كان يوضع فيها مواد حافظة ، الآن التعقيم بكل انواعه ومنهم التعقيم بأشعة ألفا يستخدم بدلا من المواد الحافظة ، نفس الأمر بالنسبة للحقن التي كانت توضع سابقا في المياه الساخنة لتعقيمها والآن تغير الوضع باستخدام التعقيم ، البطاطس مثلا التي تقوم بتصديرها كان يصيبها ما يسمى زراعيا “العفن البني” وباستخدام أشعة جاما النووية تمكننا من التغلب على تلك المشكلة ويمكن أيضا زيادة إنتاجية المحصول ، وفي بعض دول جنوب شرق آسيا يستخدمون الارز بكثرة لأنهم لا يستخدمون الخبز ولهذا تم اختراع نوع من الأرز عن طريق الطاقة النووية يستخدم لعلاج السكر ، أيضا زيادة كمية اللحوم في الحيوانات وزيادة كمية الألبان أو تحسين التربة الزراعية يمكن عن طريق الطاقة النووية ، واهم استخدام طبي يستخدم فيه الطاقة النووية يمكن استخدامه في حال الحوادث الجسيمة حينما يذهب الإسعاف لإنقاذ شخص مصاب في حادث ولا يستطيع إخبار المريض حينها إخبار الطبيب أو المسعف بمكان الألم أو التعب يمكن إعطاءه حقنة فيها مواد مشعة تدخل على الأجهزة الموجودة في عربة الإسعاف ويظهر جسم المريض من الداخل كاملا أمام الطبيب أو المسعف وحينها يمكنه إنقاذ المريض قبل الموت أو تفاقم الحالة ، ايضا يوجد علام إشعاعي لمرضى السرطان مكمل للعلاج الكيماوي.
إجمالا لحديث الدكتور علي عبد النبي نائب رئيس هيئة الطاقة الذرية سابقا فإن أمر إمتلاك الطاقة النووية ليس أمرا ضروريا للسيادة المصرية كما أوصى بأهمية إنشاء الملاجيء النووية مع زيادة الوعي بالتسريبات النووية وتسبب غاز الرادون في الإصابة بمرض سرطان الصدر لتبقى الرسالة واضحة “الوعي بالتعامل مع التسريبات الإشعاعية النووية أكبر وأخطر من تصنيع القنبلة النووية”.