نزع سلاح حزب العمال.. محلل تركي يكشف العقبات أمام التسوية السياسية (خاص)

كتب: عبدالله عمارة

في مراسم رمزية أُقيمت داخل كهف أثري قرب مدينة السليمانية شمالي العراق، أقدم عدد من مقاتلي حزب العمال الكردستاني على خطوة وصفت بـ”التاريخية”، تمثلت في إلقاء أسلحتهم داخل مرجل ضخم أشعلت فيه النيران.

وجاء المشهد، الذي شارك فيه نحو 30 عنصرًا من حزب العمال، بعد إعلان رسمي بوقف القتال، في بادرة تفتح الطريق أمام إنهاء صراع دام أكثر من أربعة عقود مع الدولة التركية.
ورغم رمزية الحدث، إلا أن متابعين اعتبروه تحولًا مفصليًا في مسار الصراع الكردي التركي، خاصة أنه يأتي استجابة لدعوة زعيم الحزب عبد الله أوجلان، المسجون منذ سنوات، والذي ناشد بضرورة إنهاء الكفاح المسلح واللجوء إلى الوسائل السياسية، حيث اعتبرت الحكومة التركية أن ما حدث يمثل “نقطة تحول لا رجعة فيها”.
تسوية ممكنة ولكن التحديات كبيرة
قال الدكتور كرم سعيد، المحلل السياسي المتخصص في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن ما جرى يشمل عناصر الحزب في تركيا وشمال العراق فقط، مشيرًا إلى أن قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا ما تزال منفصلة وترفض هذه الخطوة، ما يجعل الصورة الكاملة أكثر تعقيدًا.
عقبات في طريق التسوية
وأوضح في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، أن هناك عدة مسارات محتملة أمام حزب العمال الكردستاني لمواصلة تسليم السلاح، لكن العقبات لا تزال حاضرة، وعلى رأسها:

  • تأمين المقاتلين قانونيًا.
  • الإفراج عن عبد الله أوجلان.
  • تحديد طبيعة التسوية السياسية.
  • كيفية تسليم بقية الترسانة، خاصة مع وجود جناح متشدد داخل الحزب يرفض المبادرة.
    وأضاف سعيد أن هناك مخاوف تركية من احتمال انخراط بعض عناصر الحزب مع فصائل عراقية موالية لإيران، ما يفتح الباب أمام تحديات أمنية وإقليمية.
    وتابع: “رغم كل تلك العقبات، فإن الحرق الرمزي للأسلحة يعكس رغبة حقيقية من الحزب في استكمال مسار التسوية السياسية”.
    فرص وتحديات أمام الحكومة التركية
    وأشار إلى أن التسوية السياسية ستظل مرهونة بالقدرة على تقديم إجابات واضحة حول:
  • دمج المقاتلين في المجتمع التركي.
  • إعادة هيكلة حزب الشعوب الديمقراطي ودمجه سياسيًا.
  • آليات الإفراج عن القيادات المعتقلة.
    وأكد أن هذه الخطوات باتت ملحّة، خاصة مع توجه تركيا نحو إعداد دستور جديد، وهو ما يجعلها في حاجة لأصوات الأكراد لتمرير التعديلات.
    موقف المعارضة والمجتمع الدولي
    وأوضح سعيد أن معظم أحزاب المعارضة التركية، بما فيها حزب الحركة القومية، تدعم هذه التسوية، باستثناء بعض الأحزاب اليمينية المتشددة.
    أما على الصعيد الدولي، فأشار إلى أن الولايات المتحدة والدول الغربية تدعم بقوة جهود التسوية، خاصة بعد تراجع واشنطن عن دعم قوات سوريا الديمقراطية، وسعيها لإعادة دمجها ضمن هياكل الدولة السورية.
    من السلاح إلى السياسة.. تحولات حزب العمال الكردستاني
    وشهدت العقود الأربعة الماضية نزاعًا مسلحًا عنيفًا بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، الذي تأسس في عام 1978 بقيادة عبد الله أوجلان، حيث خاض الحزب حربًا دامية سقط فيها أكثر من 40 ألف قتيل، مطالبًا في البداية بإقامة دولة كردية مستقلة جنوب شرق تركيا، قبل أن يتحول لاحقًا إلى المطالبة بالحكم الذاتي وحقوق ثقافية أوسع.
    وفي مايو الماضي، أعلن الحزب رسميًا حل نفسه، مؤكدًا أن القضية الكردية وصلت إلى “نقطة يمكن حلها من خلال السياسات الديمقراطية”، بحسب بيانه.
    وسبق هذا الإعلان بيان نادر من أوجلان طالب فيه بتشكيل لجنة برلمانية لإدارة عملية السلام.
    وتأتي هذه التطورات بعد سنوات من محاولات سابقة لاحتواء النزاع، من أبرزها مبادرة عام 2013 التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالشراكة مع حزب الشعوب الديمقراطي، لكن تلك المفاوضات انهارت في 2015، لتتبعها حملة قمع واسعة شملت اعتقال الزعيم الكردي صلاح الدين دميرتاش.