اسلام ماجد
في خطوة جديدة تعكس ضغوطًا متزايدة من المجتمع الدولي، أعلنت إسرائيل يوم الأحد عن بدء تنفيذ ما أسمته بـ”هدنة تكتيكية” يومية في قطاع غزة، تمتد لعشر ساعات في ثلاث مناطق محددة هي المواصي ودير البلح وجزء من مدينة غزة. هذه الهدنة تأتي في وقت يشهد فيه القطاع أزمة إنسانية خانقة تهدد حياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وسط اتهامات متصاعدة لتل أبيب باستخدام الحصار والجوع كوسيلة ضغط خلال الحرب المستمرة منذ أشهر طويلة.
الجيش الإسرائيلي أوضح في بيان رسمي أن هذه الهدنة تهدف إلى تسهيل دخول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك المواد الغذائية والأدوية، عبر قوافل تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية، مشيرًا إلى أن وقف العمليات العسكرية في المناطق المشمولة يبدأ يوميًا من الساعة العاشرة صباحًا وحتى الثامنة مساءً بالتوقيت المحلي. كما أشار البيان إلى تخصيص “طرق آمنة” للقوافل الإنسانية تمتد من السادسة صباحًا حتى الحادية عشرة مساءً، بهدف ضمان وصول الإمدادات إلى السكان المتضررين في جميع أنحاء القطاع.
ورغم ما قد يبدو من طابع إنساني لهذه الهدنة، شدد الجيش الإسرائيلي على أن العمليات العسكرية الهجومية ضد “المنظمات الإرهابية” ستستمر في بقية مناطق غزة، التي اعتبر معظمها “مناطق قتال خطرة”. البيان أكد أن هذه الهدنة لا تعني وقف المناورات أو العمليات الهجومية بشكل كامل، بل تأتي – وفق وصفه – في إطار موازنة بين متطلبات “الأمن الإسرائيلي” وضغوط المجتمع الدولي المتزايدة لوقف تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع.
القرار جاء بعد مناقشات مع الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية، بحسب ما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”. ويُنظر إلى هذه الخطوة على نطاق واسع باعتبارها استجابة مباشرة لتزايد الانتقادات الدولية الموجهة لإسرائيل، خاصة في ظل تقارير أممية تشير إلى أن المجاعة تهدد حياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وسط نقص حاد في الغذاء والدواء نتيجة استمرار الحصار وإغلاق معظم المعابر خلال الأشهر الماضية.
الخريطة التي أرفقها الجيش الإسرائيلي مع بيانه كشفت أن الهدنة تقتصر على الشريط الساحلي وبعض المناطق الوسطى، بينما تظل غالبية أراضي القطاع – شمالًا وجنوبًا – مصنفة “مناطق قتال”. هذا التحديد الجغرافي أثار تساؤلات واسعة حول مدى فعالية هذه الهدنة في التخفيف الحقيقي من معاناة مئات الآلاف من النازحين الذين يعيشون في ظروف إنسانية قاسية خارج نطاق المناطق المشمولة بالتهدئة.
أيمن الرقيب: العقوبات غير المعلنة والانتقادات العالمية تهز الداخل الإسرائيلي وتدفع نحو مراجعة السياسات
وفي سياق متصل، أكد الدكتور أيمن الرقيب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والمحلل السياسي، في تصريحات خاصة لنافذة الشرق، أن الضغوط الدولية المتزايدة على الاحتلال الإسرائيلي بدأت تُحدث تأثيرات ملموسة على الساحة السياسية والعسكرية داخل إسرائيل، خاصة مع تصاعد الانتقادات من كبرى العواصم العالمية.
وأوضح الرقيب أن هذه الضغوط لم تعد تقتصر على الجانب الدبلوماسي فقط، بل امتدت لتشمل عقوبات اقتصادية غير معلنة، وقيودًا على التعاون العسكري في بعض المجالات الحساسة، مشيرًا إلى أن عددًا من الدول الأوروبية لوّحت بإمكانية تجميد صفقات تسليح في حال استمرار الانتهاكات.
وأشار المحلل السياسي إلى أن الموقف الأمريكي، رغم دعمه التقليدي لإسرائيل، يشهد تحولًا نسبيًا في اللهجة، حيث بدأت الإدارة الأمريكية تطالب بوضوح بوقف العمليات العسكرية واسعة النطاق ضد المدنيين، وتدعو إلى الالتزام بالقانون الدولي الإنساني.
وأضاف الرقيب أن الاحتلال الإسرائيلي يواجه أزمة داخلية متفاقمة نتيجة هذه الضغوط، إذ ظهرت خلافات حادة بين القيادات السياسية والعسكرية حول كيفية التعامل مع التهديدات الدبلوماسية والاقتصادية، وهو ما انعكس على الخطاب الإعلامي الرسمي الذي بات أكثر حذرًا في تبرير الهجمات.
وأكد أن استمرار هذه الضغوط قد يدفع حكومة الاحتلال إلى مراجعة سياساتها في التعامل مع القضية الفلسطينية، خاصة مع تزايد الأصوات الداعية إلى محاسبة المسؤولين الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، لافتًا إلى أن بعض التقارير تتحدث عن إمكانية فرض عقوبات فردية على قادة سياسيين وعسكريين.
اختتم الدكتور أيمن الرقيب بأن تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، الذي ادعى أن “لو كانت هناك مجاعة حقيقية في غزة، لكانت المقاومة سلمت المحتجزين”، وزعم أن الصور والفيديوهات التي توثق معاناة المدنيين مفبركة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، تمثل نهجًا واضحًا للإنكار، تتبناه بعض الدوائر في الحكومة الإسرائيلية، لتبرير استمرار التصعيد العسكري وتخفيف حدة الانتقادات الدولية.