كتب: عبدالله عمارة
أثار مقترح برلماني يقضي بتعديل مواعيد العمل الرسمية لتبدأ من الخامسة فجرًا حتى الثانية عشرة ظهرًا، حالة واسعة من الجدل بين مؤيدين ومعارضين، وسط تأكيدات بصعوبة تطبيقه وتعميمه على المستويين العام والخاص.
المقترح كشفت عنه النائبة آمال عبدالحميد، عضو مجلس النواب، والموجه إلى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، حيث أعلنت اعتزامها التقدم بطلب إبداء اقتراح برغبة إلى المستشار حنفي جبالي، رئيس البرلمان، مع بدء دور الانعقاد السادس في أكتوبر المقبل، لإعادة النظر في مواعيد العمل الرسمية في مصر.
آمال عبدالحميد: العمل المبكر يرفع الإنتاجية ويحقق التوازن الأسري
وقالت النائبة إن تعديل مواعيد العمل المبكرة يأتي ضمن رؤية إصلاحية شاملة تستهدف رفع معدلات الإنتاجية وتحقيق التوازن بين الحياة العملية والأسرية، مشيرة إلى تجارب ناجحة في بعض الدول الآسيوية التي اعتمدت ثقافة العمل المبكر وشهدت طفرة اقتصادية.
وأضافت آمال عبد الحميد: «مصر بحاجة لتغيير الكثير من القواعد والمفاهيم التي اعتدنا عليها في الأنظمة والحكومات المتعاقبة، ومنها توقيت مواعيد العمل الرسمية التي تبدأ من الثامنة صباحًا إلى الثانية ظهرًا وأحيانًا تمتد حتى الرابعة عصرًا”
وأكدت “عبدالحميد” أن تعديل مواعيد العمل الرسمية لتصبح من الخامسة فجرًا حتى الثانية عشرة ظهرًا سينعكس إيجابًا على إنتاجية العامل المصري، ولا سيما في القطاعات الإنتاجية، بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، حيث استندت في طرحها إلى «دراسات علمية أثبتت أهمية الاستيقاظ والعمل مبكرًا»، لافتة إلى أن «التغيير سيحقق الاستقرار الأسري، ويقلل التكدس المروري، ويرفع كفاءة الأداء والإنتاجية، فضلًا عن الاستفادة من ساعات الصباح التي تتميز بالنشاط والحيوية”
وشددت النائبة على أن تبني نظام مبكر لمواعيد العمل قد يشكّل أحد الحلول العملية لمواجهة الكسل الوظيفي وتحسين الإنتاجية داخل مؤسسات الدولة، مضيفة أن مصر في «مستهل جمهورية جديدة ركيزتها العمل والبناء والإنتاج»، معتبرة أن ما تحقق من مشروعات قومية وتنموية خلال سنوات قليلة خير دليل على تقديس القيادة السياسية لقيمة العمل.
واستشهدت “عبدالحميد” بدراسة حديثة من جامعة ميريلاند الأمريكية حول أهمية الاستيقاظ المبكر، مشيرة إلى أن الإنسان يكون أكثر صحة ونشاطًا وإنتاجية في الساعات الأولى من النهار، وأن انتهاء الدوام في الثانية عشرة ظهرًا سيمنح الموظف وقتًا كافيًا لأسرته وحياته الشخصية، وهو ما يحقق التوازن المطلوب.
لكن المقترح لم يمر مرور الكرام، إذ قوبل بموجة اعتراضات على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأوساط النقابية والاقتصادية، حيث رأى كثيرون أن بدء العمل في الخامسة فجرًا «أمر غير واقعي» في ظل طبيعة الحياة الاجتماعية في مصر، فضلًا عن صعوبة انتقال الموظفين في هذه الساعة المبكرة، والتحديات التي تواجه السيدات والطلاب، إلى جانب اختلاف الواقع المصري عن التجارب الآسيوية
ألفت المزلاوي: المقترح يحتاج لدراسة شاملة
ومن جانبها، علّقت الدكتورة ألفت المزلاوي، عضو مجلس النواب وأمين سر لجنة القوى العاملة، مؤكدة أن المقترح له مزايا صحية واجتماعية لكنه يحتاج إلى دراسة شاملة قبل التطبيق.
وقالت النائبة في تصريحات خاصةلـ”نافذةالشرق”: «من الناحية الصحية، المواعيد المبكرة جيدة لأنها تتماشى مع فطرة الإنسان التي تكون أكثر نشاطًا بعد الفجر، لكن السؤال هو: هل يمكن تطبيقها في مصر؟ خاصة أن هناك مناطق بعيدة يصعب الوصول إليها فجرًا، فضلًا عن صعوبة خروج السيدات في هذا التوقيت، إلى جانب التحديات خلال فصل الشتاء”
وأضافت “المزلاوي” أن المقترح قد يكون أكثر تأثيرًا إعلاميًا من كونه عمليًا في الوقت الراهن، لكنه إذا ما نوقش بجدية وتم تطبيقه، فسيعود بالنفع على الناتج القومي وعلى حياة المصريين الاجتماعية، موضحة أن العودة من العمل مبكرًا ستمنح الأسر وقتًا للتواصل والزيارات العائلية، بما يعيد بعض العادات الاجتماعية التي تراجعت في العقود الأخيرة.
واقترحت “المزلاوي” تطبيق نظام الفترتين، بحيث تكون هناك فترة صباحية من الخامسة حتى الثانية عشرة ظهرًا، وأخرى مسائية حتى السابعة أو الثامنة مساءً، مع ترك الحرية للموظف أو الجهة الإدارية في اختيار ما يتناسب مع طبيعة عمله. وأكدت أن هذا النظام سيمنح مرونة أكبر للمواطنين، لاسيما في ظل تباعد أماكن السكن عن مواقع العمل، ووجود قطاعات تعمل بالفعل على فترات، مثل المدارس وبعض المصالح الحكومية.
وتطرقت النائبة إلى البعد المناخي، موضحة أن ارتفاع درجات الحرارة في الصيف يؤدي إلى إصابات بضربات الشمس بين العمال، مشيرة إلى أن بعض المحافظين أوقفوا عمل عمال النظافة خلال ذروة ارتفاع درجات الحرارة.
وأضافت أمين سر لجنة القوى العاملة، أن المقترح سيتيح أيضًا استغلال الطقس المعتدل في الصباح ويخفف من الأعباء على العمال.
وفي سياق آخر، انتقدت المزلاوي العودة إلى نظام التوقيت الصيفي والشتوي، واعتبرته بلا جدوى، قائلة: «ما الفائدة التي عادت علينا من التوقيت الصيفي؟ بالعكس أحدث لخبطة في المواعيد وخالف الفطرة التي خلق الله الإنسان عليها». واستشهدت بتجربتها في الصين عامي 2007 و2008، حيث كان العمل يبدأ من الخامسة صباحًا، مع تطبيق نظام للحد من التكدس المروري يعتمد على تداول السيارات بأرقامها الزوجية والفردية.
مدحت صبري: تغيير الفكر الوظيفي أهم من تغيير المواعيد
أما الخبير الاقتصادي مدحت صبري، فقد تناول المقترح من زاوية مختلفة، محذرًا من تبعاته الاجتماعية والاقتصادية والدينية. قائلًا: «الفكرة المطروحة لتغيير مواعيد العمل تحتاج إلى آليات لتغيير نمط حياة المصريين بالكامل، وهذا أمر صعب للغاية، إذ لا يتعلق فقط بمواعيد العمل بل بالعادات والسلوكيات الممتدة منذ عقود طويلة».
وأشار صبري في تصريحات خاصة لـ”نافذة الشرق”، إلى أن البعد الاجتماعي والأسري للفكرة قد يصيب المجتمع المصري بالارتباك والقلق وربما التصدع، متسائلًا عن كيفية التوفيق بين مواعيد العمل الجديدة وأداء صلاة الفجر في المساجد، أو مع جداول الدراسة التي تعتمد على فترتين أو ثلاث فترات لمعالجة العجز في المعلمين، حيث أضاف: «ما فائدة تغيير مواعيد العمل إذا كانت المدة الثابتة للعمل – وهي ثمان ساعات – لن تتغير؟».
وعن البعد الاقتصادي، أوضح صبري أن المقترح لا يضيف ساعات عمل جديدة بل قد ينتقص منها بسبب أوقات الصلاة والغداء والراحة، مؤكدًا أن المصانع والقطاعات الإنتاجية تعمل بالفعل بنظام الورديات ولا تحتاج إلى تعديل جذري في مواعيدها.
وشدد الخبير الاقتصادي، على أن الموظفين الحكوميين – الذين يشملهم التغيير – لا يزيد عددهم على ستة ملايين من إجمالي قوة العمل، وبالتالي فإن أثر المقترح على الاقتصاد سيكون محدودًا.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن تجارب السعودية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي أثبتت عدم جدوى المواعيد المبكرة، إذ طبقت على المدارس والجامعات والبلديات بسبب الحرارة المرتفعة، لكن تم إلغاؤها لاحقًا، قائلًا إن التجارب الناجحة في كوريا وسنغافورة وألمانيا واليابان لا تعود إلى مواعيد العمل بل إلى ثقافة الإنتاج والإتقان.
واعتبر صبري أن الحل لا يكمن في تغيير مواعيد العمل بل في تغيير الفكر الوظيفي لدى العاملين، من مجرد أداء الوظيفة لضمان المرتب إلى ثقافة العمل والإنتاج من أجل النجاح والاستمرارية، مؤكدًا أن هذا يتطلب تغييرًا تدريجيًا على مدى عقود، يقوم على العمل بحب وضمير وإتقان، وهو ما سيدفع بالاقتصاد المصري إلى آفاق أرحب ويحسن ظروف معيشة المواطنين.
وختم صبري بالقول: «تغيير مواعيد العمل ليس هو الحل، بل الحل في زيادة ساعات العمل وتعظيم دور الفرد وسط الجماعة، فشعارنا يجب أن يكون: العمل عبادة، والإتقان غاية، ورفع مستوى الدخل هدف يسعى له الجميع”.