واشنطن والخرطوم.. عودة من بوابة الرباعية وتحالفات النفوذ(خاص)

كتبت بسمة هاني

تتحرك الولايات المتحدة نحو السودان من خلال تحالفات إقليمية مدروسة، في محاولة لإعادة صياغة المشهد الجيوسياسي في منطقة البحر الأحمر. عودتها لا تُقرأ بمعزل عن التنافس الدولي على النفوذ، خاصة مع تصاعد الدورين الروسي والصيني.

وفي هذا السياق يوضح الدكتور رامي زهدي خبير الشؤون الإفريقية في حديث خاص لموقع نافذة الشرق

قال الدكتور رامي زهدي، خبير الشؤون الإفريقية، في حديث خاص لموقع نافذة الشرق، إن التحرك الأميركي الأخير نحو السودان لا يأتي في سياق فردي أو تحرك منعزل، بل يتم عبر إطار تحالفي إقليمي ودولي يُعرف باسم “الرباعية”، ويضم الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات، والمملكة المتحدة.

الرباعية.. أداة للنفوذ لا المواجهة

ولفت زهدي إلى أن الولايات المتحدة اختارت العمل ضمن منظومة الرباعية لتحقيق هدفين متداخلين؛ الأول يرتبط بتشابك المصالح الاستراتيجية في منطقة البحر الأحمر، والثاني يتعلق باستخدام ما يُعرف بـ”الدبلوماسية الجماعية”، كوسيلة لتخفيف كلفة الانخراط المباشر وشرعنة التدخل في الملفات المعقدة مثل السودان.

وأوضح أن الرباعية ليست مجرد تحالف، بل أداة لإعادة تشكيل التوازنات داخل السودان دون الدخول في صدام مباشر مع القوى السودانية أو القوى الدولية المنافسة مثل روسيا والصين وإيران.

لماذا تعود واشنطن إلى السودان الآن؟

وأشار الدكتور رامي زهدي إلى أن عودة واشنطن إلى الملف السوداني محكومة بعدة دوافع استراتيجية تتقاطع فيها الاعتبارات الأمنية والجيوسياسية، مؤكدًا أن الأمر يتجاوز السودان كدولة إلى اعتباره “مسرح عمليات جيوسياسي” له حساسية خاصة في ميزان القوى العالمية.

كبح التمدد الروسي

شدد زهدي على أن التموضع الروسي المتزايد في السودان، خاصة عبر مرتزقة “فاغنر” ونسختها الجديدة، يمثل تهديدًا صريحًا للمصالح الأميركية، موضحًا أن واشنطن تعتبر الساحل السوداني، خصوصًا ميناء بورتسودان، نقطة استراتيجية حساسة قد تتحول إلى قاعدة روسية في حال غياب الردع الأميركي.

احتواء الصين وإيران

ونوّه إلى أن الصين تملك وجودًا عميقًا في السودان من خلال مشروعات البنية التحتية واستثمارات النفط، فيما تعود إيران تدريجيًا إلى المشهد بعد تقاربها مع بعض العواصم العربية. وأوضح أن التقارير عن دعم إيراني بطائرات مسيّرة للجيش السوداني يعزز المخاوف الأميركية من تمدد نفوذ طهران في شرق إفريقيا.

البحر الأحمر في قلب المعادلة

وأكد الدكتور زهدي أن السودان يُعدّ ركيزة أساسية في معادلة أمن البحر الأحمر، وهو ما يجعل استقراره وارتباطه بتحالفات الغرب هدفًا أميركيًا مباشرًا، خصوصًا مع التوسع التركي والروسي في المنطقة، وتحول الممر البحري إلى ساحة صراع استراتيجي.

أدوات الضغط والحوافز.. العصا والجزرة

وأوضح زهدي أن الولايات المتحدة تعتمد على مزيج متوازن من أدوات الضغط والتحفيز في إدارتها للملف السوداني، وفق ما يُعرف بـ”النهج المرن”، الذي يهدف إلى تحقيق التأثير دون التورط العسكري المباشر.

أدوات الضغط

وأشار إلى أن العقوبات على قادة الجيش والدعم السريع، ووقف أو تعليق المساعدات التنموية، تمثل أدوات ضغط مباشرة تُستخدم لتقييد سلوك الأطراف، إلى جانب استخدام الدبلوماسية الموازية من خلال الأمم المتحدة أو الرباعية، والإعلام كأداة خلق بيئة ضاغطة.

الحوافز الممكنة

ولفت إلى أن واشنطن في المقابل تُلوّح بإعادة دمج السودان في برامج التنمية والإعمار، وإدخاله مجددًا في دوائر الدعم الدولي، خاصة بعد خروجه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مؤكدًا أن برامج الإغاثة، ودعم إعادة الإعمار، تُستخدم كأدوات جاذبة لاستمالة النخب السودانية وتثبيت النفوذ الأميركي.

الرباعية.. تهدئة بلا أدوات ردع

وقال الدكتور رامي زهدي إن التحالف الرباعي يلعب دورًا سياسيًا أساسيًا في محاولة وقف الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لكنه في الوقت ذاته يفتقر إلى أدوات الردع المباشر، ويعتمد على القنوات الدبلوماسية والإقناع.

أدوار متباينة داخل الرباعية

وأوضح أن السعودية تحتضن منصة التفاوض (جدة)، وتُسهم في تقريب وجهات النظر عبر دعم لوجستي واستخباراتي، فيما تسعى الإمارات لإعادة صياغة دورها كوسيط محايد رغم علاقاتها السابقة مع الدعم السريع.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تُمثّل المحرك السياسي العام للمسار، بينما تلعب المملكة المتحدة دورًا داعمًا داخل المؤسسات الدولية. لكنه أكد في المقابل أن تشابك المصالح الاقتصادية وتورط الأطراف السودانية في تحالفات إقليمية يُقلل من قدرة الرباعية على فرض تسوية شاملة.

واشنطن بين البرهان وحميدتي.. واقعية براجماتية

وأكد زهدي أن واشنطن تتعامل مع قادة السودان بمنطق براغماتي محض، دون اعتبار لأيٍّ منهم شريكًا مثاليًا.

البرهان.. قناة رسمية لكنها مؤقتة

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تنظر إلى الفريق عبد الفتاح البرهان كقناة شرعية للتواصل المؤقت، لكنها لا تعتبره رجل المرحلة المقبلة، بل أداة عبور نحو تسوية أوسع تُشرك المدنيين وتعيد هندسة النظام السياسي.

حميدتي.. رقم صعب لا يُمكن تجاهله

وأوضح أن محمد حمدان دقلو “حميدتي” يُمثّل قوة ميدانية مؤثرة، ورغم تحفظات واشنطن على انتهاكات قواته، فإنها لا تسعى لاستبعاده بالكامل، بل لإعادة ضبط موقعه داخل أي تسوية مستقبلية.

وشدد زهدي على أن الخيار الأميركي الأمثل يتمثل في تسوية تُبقي البرهان مؤقتًا، وتُعيد هندسة دور حميدتي تدريجيًا، بالتوازي مع فتح مسار ثالث يقود لتمكين المدنيين، وإعادة ترتيب الخارطة السياسية بما يضمن المصالح الغربية ويمنع التمدد المناوئ.