عبد الرحمن السيد
في ظل اشتعال الأوضاع في الشرق الأوسط وتصاعد وتيرة الحرب بين إسرائيل وإيران، تدخل أسواق المال والعملات مرحلة جديدة من الترقب والقلق، لا سيما في الدول النامية التي تعتمد على الاستقرار الخارجي لجذب الاستثمارات والحفاظ على توازناتها المالية. في مصر، يعود القلق مجددًا حول مستقبل الجنيه المصري أمام الدولار، وسط توقعات متباينة بشأن قدرة الدولة على امتصاص التداعيات، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط المحتملة وهروب بعض الأموال الساخنة.
تحركات محدودة للدولار.. ولكن القلق قائم
حتى الآن، لم يشهد سعر الدولار مقابل الجنيه المصري قفزات كبيرة، بل تسود حالة من الاستقرار النسبي مدعومة بعوامل محلية، أبرزها قرار البنك المركزي المصري تثبيت سعر الفائدة، في خطوة فسّرها البعض بأنها محاولة لضبط السوق في ظل تقلبات إقليمية قد تُربك المشهد.
تقول النائبة ميرفت الكسان مطر، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، في تصريحات خاصة لموقع “نافذة الشرق”: “لا يوجد اقتصاد يستطيع وضع تصور دقيق لسعر الدولار حاليًا لأن المتغيرات تتغير من يوم إلى آخر. نحن نمر بمرحلة (اللايقين) ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث غدًا أو بعده”.
وتضيف الكسان: “الإصلاح الاقتصادي الذي شهدته مصر خلال السنوات الماضية هو ما يمنحنا الثقة في مواجهة التحديات، سواء على مستوى السياسة النقدية أو المالية”.
بين الإصلاح والثقة.. هل السوق محصّن ضد الصدمات؟
تؤكد الكسان أن الدولة نجحت في إرساء نظام اقتصادي مرن قائم على آليات السوق، حيث يخضع سعر الدولار لسياسة العرض والطلب، وهو ما يمثل – من وجهة نظرها – تحولًا جوهريًا في بنية الاقتصاد المصري.
وتشير إلى أن الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي يملكه البنك المركزي والمُقدر بـ 48.5 مليار دولار يمثل عنصر أمان للسوق المحلي، ويكفي لتغطية واردات أكثر من 6 أشهر، وهو ما يتوافق مع المعايير الدولية.
أسعار النفط تشعل الحذر.. والحكومة تراقب
من بين أبرز المخاوف التي تسيطر على الأسواق، الارتفاع المحتمل في أسعار النفط عالميًا نتيجة الحرب، وهو ما قد يضغط على موازنة الدولة المصرية التي قدّرت سعر برميل النفط في الموازنة الجديدة (تبدأ يوليو المقبل) بـ 75 دولارًا.
وفي هذا الإطار، علّق رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي على الأمر، قائلًا: “لدينا احتياطيات في كل باب من أبواب الموازنة وُضعت لاستيعاب هذا النوع من الصدمات. نلتزم بالإطار المالي دون تجاوز، وإذا تطلب الأمر تعديلًا يتجاوز الحدود الموضوعة، نعود إلى مجلس النواب في منتصف العام المالي لإجراء مراجعة شاملة”.
تصريحات مدبولي تعكس استعداد الدولة لمواجهة سيناريو ارتفاع أسعار النفط، ولكنها تفتح في الوقت ذاته الباب أمام مراجعة لاحقة محتملة للمصروفات أو آليات الدعم، إذا ما تجاوزت الأسعار العالمية سقف التوقعات.
الأموال الساخنة.. الخروج ليس تهديدًا
من بين السيناريوهات المتوقعة في الأزمات الإقليمية، خروج بعض رؤوس الأموال الأجنبية قصيرة الأجل، والتي غالبًا ما تبحث عن بيئات أكثر أمانًا. لكن الكسان ترى أن هذا الخروج – إن حدث – لا يشكل تهديدًا حقيقيًا. “رحيل الأموال الساخنة في ظل الأوضاع الإقليمية المضطربة أمر طبيعي ولا يُقلقنا. الإصلاح الاقتصادي هو ما يحمينا”، تؤكد النائبة.
وبحسب محللين، فإن أحد أسباب تراجع التأثير المحتمل للأموال الساخنة هو تحول مصر مؤخرًا إلى التركيز على الاستثمارات طويلة الأجل، وتقليص الاعتماد على التدفقات قصيرة الأمد في تمويل العجز.
حالة اللايقين.. التحدي الأكبر
ورغم المؤشرات المطمئنة، تبقى حالة “اللايقين” الجيوسياسي والاقتصادي هي العائق الأساسي أمام أية توقعات مستقرة بشأن سعر الصرف أو أداء الجنيه. فالأسواق لا تستجيب فقط للبيانات، بل للرسائل السياسية والتطورات المفاجئة، خاصة في منطقة مضطربة مثل الشرق الأوسط.
ومع احتمال اتساع رقعة الصراع أو دخول أطراف دولية على خط الحرب، قد ترتفع وتيرة القلق، ما يدفع المستثمرين إلى التحوط بالدولار والذهب، ويضغط على عملات الأسواق الناشئة، ومنها الجنيه المصري.
ماذا لو طال أمد الحرب؟
إذا استمرت الحرب وتوسعت تداعياتها، فإن مصر قد تواجه سيناريوهات اقتصادية أكثر تعقيدًا، أبرزها:
ارتفاع تكاليف استيراد الطاقة، ما يضغط على الميزان التجاري والدعم.
تباطؤ تدفق العملة الصعبة من بعض القطاعات مثل السياحة وقناة السويس.
ضغوط تضخمية جديدة تؤثر على أسعار السلع والخدمات.
إعادة النظر في بعض بنود الموازنة أو سعر صرف الجنيه.
لكن الدولة، بحسب المسؤولين، تمتلك من الأدوات المرنة والإصلاحات ما يسمح لها بإدارة هذه التحديات دون اللجوء إلى قرارات ارتجالية.
في المجمل.. اختبار صعب ولكن ممكن تجاوزه
الجنيه المصري يواجه اختبارًا معقدًا هذه الأيام، ليس بسبب اختلال داخلي، بل نتيجة مناخ إقليمي مشتعل. وفي ظل دعم الاحتياطي النقدي، وسياسات مالية مرنة، وتصريحات مطمئنة من الحكومة والبرلمان، يبقى مفتاح الثقة في قدرة الدولة على الإدارة الهادئة للأزمات.
لكن يبقى الأمر مرهونًا بتطورات الحرب في المنطقة، ومدى تأثيرها على سلاسل الإمداد العالمية، وأسعار الطاقة، وسلوك المستثمرين الدوليين. ففي اقتصاد اليوم، لا يتحرك الجنيه وحده، بل يتحرك مع العالم.
وتواجه مصر تحديات متصاعدة بسبب التداعيات الاقتصادية للحرب الإيرانية الإسرائيلية، والتي ألقت بظلالها على أسعار الطاقة، وسلاسل الإمداد، وحركة التجارة في المنطقة. ومع اتساع نطاق الحرب وتهديد الملاحة في البحر الأحمر ومضيق هرمز، باتت المخاوف من ارتفاع أسعار النفط، واضطراب الأسواق العالمية، ضاغطة بشكل مباشر على الاقتصاد المصري، خاصة في ما يتعلق بالموازنة العامة وسعر صرف الجنيه.
وفي ضوء هذه التطورات، أعلنت الحكومة المصرية تشكيل لجنة لإدارة الأزمات الاقتصادية برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، لمتابعة تداعيات الأزمة الجيوسياسية الجارية على الوضع الداخلي. وتعمل اللجنة على تقييم السيناريوهات المحتملة، واقتراح الإجراءات المالية والنقدية التي تضمن الحفاظ على استقرار السوق المحلية، والتعامل المرن مع أي متغيرات عالمية مفاجئة قد تؤثر على أداء الاقتصاد الوطني.