1.8 مليار دولار شراكة جديدة بين مصر والصين.. اتفاقيات اقتصادية تعزز التحول الصناعي وتجذب الاستثمارات

كتب: عبد الرحمن السيد

في خطوة استراتيجية تعكس عمق العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين، شهدت القاهرة في 19 مايو توقيع أكثر من 30 اتفاقية تعاون بين الحكومة المصرية ومنطقة خليج قوانجدونج-هونج كونج-ماكاو الكبرى الصينية، بإجمالي استثمارات تتجاوز 1.8 مليار دولار أمريكي. وتأتي هذه الاتفاقيات في إطار مؤتمر التبادل الاقتصادي والتجاري، الذي جمع كبار المسؤولين ورجال الأعمال من البلدين، مؤكّدًا على رغبة مشتركة في تعزيز الشراكة وتنمية المصالح الاقتصادية المتبادلة.

رسالة ثقة في الاقتصاد المصري

وصف النائب طارق السيد، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، قيمة الاتفاقيات بأنها “رسالة ثقة قوية في الاقتصاد المصري”، مشيرًا إلى أن الرقم الضخم يعكس مدى إيمان المستثمرين الصينيين بإمكانات السوق المصرية.

وأضاف السيد، في تصريحات خاصة لـ نافذة الشرق: “هذه الاتفاقيات لا تُعد فقط دعمًا ماليًا، بل تُرسل إشارات إيجابية لباقي المستثمرين الدوليين بأن مصر لا تزال وجهة جاذبة رغم التحديات العالمية”.

بوابة إلى إفريقيا بلا جمارك

واعتبر النائب طارق السيد أن الاتفاق يعكس توجهًا استراتيجيًا من الجانب الصيني لاستخدام مصر كبوابة رئيسية للنفاذ إلى السوق الأفريقية دون جمارك، مستغلين اتفاقيات التجارة الحرة التي وقّعتها القاهرة مع 22 دولة أفريقية. وأوضح: “هذا لا يخدم فقط الصين، بل يُعزز موقع مصر كمركز إقليمي للتصنيع وإعادة التصدير، مما يدعم اقتصادها بشكل مباشر”.

القطاعات المستهدفة: رؤية نحو المستقبل

وذكر أن اللافت في هذه الاتفاقيات أنها ركزت على قطاعات ذات طابع استراتيجي وطويل الأجل، ما يُشير إلى نظرة تنموية أعمق من مجرد ضخ أموال مشيرا إلى أنه في مقدمة هذه القطاعات جاءت صناعة المركبات الكهربائية، حيث تم الإعلان عن مشاركة شركات صينية كبرى مثل BYD وGAC في مشاريع تصنيع وتجميع المركبات داخل مصر. هذه الخطوة تدعم جهود الحكومة في التحول نحو الطاقة النظيفة، وتساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

وشملت الاتفاقيات مشاريع في البنية التحتية والطاقة الخضراء، بما في ذلك محطات لتوليد الكهرباء وتطوير بنية تحتية ذكية قادرة على استيعاب النمو الحضري المتسارع، خاصة في مناطق مثل العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين.

وفي قطاع الخدمات اللوجستية، ركّزت الشراكات على تطوير مراكز نقل وتوزيع حديثة، تستفيد من الموقع الجغرافي لمصر على مفترق طرق التجارة العالمية، لا سيما مع امتلاكها قناة السويس وموانئ استراتيجية على البحرين الأحمر والمتوسط.

أما التمويل المستدام، فكان له نصيب معتبر في الاتفاقات، حيث تعهّدت شركات صينية بتمويل مشاريع مصرية في مجالات التكنولوجيا المالية، ودعم الشركات الناشئة العاملة في الابتكار الرقمي.

مكاسب اقتصادية متعددة لمصر

ونوه “السيد” أن التجارب السابقة للتعاون مع الجانب الصيني تشير إلى قدرة الاستثمارات القادمة على تحقيق مكاسب متعددة للاقتصاد المصري، تتجاوز الأبعاد المالية المباشرة.

وذكر أن أول هذه المكاسب يتمثل في خلق فرص العمل، حيث سبق وأن ساهمت الشركات الصينية في مشاريع ضخمة مثل البرج الأيقوني بالعاصمة الإدارية، والذي وفر آلاف الوظائف للعمالة المصرية.

ويؤكد النائب طارق السيد أن الاتفاقيات الجديدة ستخلق بيئة توظيف نشطة، خصوصًا مع اعتمادها على مشاريع تصنيع وتطوير تحتاج إلى مهارات متنوعة، ما ينعكس إيجابًا على معدلات البطالة ومستويات الدخل.

ثانيًا، تسهم الاتفاقيات في نقل وتوطين التكنولوجيا، حيث تُعد الشركات الصينية من بين الأبرز عالميًا في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، المركبات الكهربائية، والطاقة الشمسية. ومن شأن مشاركة هذه الشركات في السوق المصرية أن يُعزز قدرات المهندسين والفنيين المحليين، عبر التدريب والشراكات التقنية.

ونوه بأن الاتفاقيات تتيح لمصر فرصة لزيادة صادراتها إلى أسواق دولية مثل الولايات المتحدة، حيث يمكن للشركات المصرية الاستفادة من ارتفاع الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية في أمريكا، لتصدير منتجات بديلة بالتعاون مع الشركاء الصينيين في مصر، لا سيما في قطاعات مثل المنسوجات والصناعات الخفيفة.

دعم استقرار العملة وزيادة الاحتياطي النقدي

وشدد النائب على أن الاستثمارات الأجنبية من أهم مصادر العملة الصعبة لأي اقتصاد نامٍ، وفي هذا السياق تُشكل الاتفاقيات الصينية الجديدة رافدًا هامًا للاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر، موضحا أن تدفق استثمارات بقيمة 1.8 مليار دولار سيُسهم في تخفيف الضغط على الجنيه المصري، وتعزيز قدرات البنك المركزي في مواجهة تحديات سعر الصرف وتقلبات الأسواق العالمية.

التكامل مع خطة الدولة 2030

يوضح النائب: تتماشى هذه الاتفاقيات مع رؤية مصر 2030، خاصة في محاور التحول الصناعي، الطاقة النظيفة، وتكنولوجيا المعلومات. ويؤكد أن “إدماج التكنولوجيا الصينية المتقدمة في هذه المحاور يُسرّع من وتيرة التحول الرقمي والصناعي الذي تتبناه الدولة، ويساعد في بناء اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة”.

الصين شريك استراتيجي دائم

ليست هذه المرة الأولى التي تُبدي فيها الصين التزامًا كبيرًا تجاه السوق المصرية، فهي أكبر شريك تجاري لمصر على مدار 13 عامًا متتالية، وفقًا لتصريحات تشاو ليو تشينج، مستشار وزير الاقتصاد والتجارة بالسفارة الصينية في القاهرة. وأضاف المسؤول الصيني: “الابتكار الصيني يُحقق فوائد حقيقية للمجتمع المصري، ونتطلع إلى شراكة أعمق في المستقبل”.

نحو شراكة استراتيجية مستدامة

أبرز ما يُميز هذه الاتفاقيات أنها لم تُبنى على مصالح قصيرة المدى، بل على رؤى استراتيجية لتكامل اقتصادي شامل. ومع تعاظم التحديات العالمية، فإن إقامة مثل هذه الشراكات يُعد تحركًا ذكيًا من القاهرة، لضمان تنويع مصادر الاستثمار والتكنولوجيا، وفتح آفاق جديدة للنمو.

وتُمثل الاتفاقيات الموقعة بين مصر ومنطقة الخليج الكبرى الصينية نقلة نوعية في مسار العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتفتح آفاقًا واعدة أمام الاقتصاد المصري، سواء عبر خلق فرص العمل، نقل التكنولوجيا، أو دعم الاحتياطي النقدي. كما تعكس إدراكًا صينيًا متناميًا لموقع مصر الاستراتيجي ودورها كبوابة لإفريقيا والعالم العربي، ما يُعزز مكانتها كمركز إقليمي للإنتاج والتصدير والتجارة.

وفي ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية الدولية، تظل مثل هذه الاتفاقيات بمثابة طوق نجاة يدعم استقرار الاقتصاد المصري، ويقوي قدرته على الصمود والتطور.