“زواج القاصرات” يعتبر ظاهرة خفية تنتشر بشكل لافت في عدد كبير من قرى مصر، حيث يلجأ الأولياء إلى تزويج بناتهن في سن باكرة، ما يترتب عنها انعكاسات سلبية على حياة الزوجة القاصر ثم المجتمع، ولا سيما أن هناك حالات تحدث خارج الإطار الشرعي في المدن الكبرى، وتستمر تلك الظاهرة في الانتشار بين المعلوم والمخفي، إذ ترتبط شرعياً ويصبحن معلقات قانوناً بسبب عدم بلوغهن السن المحدد ، والذي يؤهلهم لحيازة عقد مدني، لا يحفظ للطفل المولود أي حقوق، في حالة الطلاق أو وفاة الاب.
في هذا التحقيق نرصد حالات زواج القاصرات، اعتبرت أسرة الفتاة “ن. م” 15 سنة أن ” إ. ا” 55 سنة الذي توفي بعد الزواج بـ 3 سنوات، وخلال تلك الفترة كانت حصيلة الأسرة بناء منزل مكون من 4 طوابق، وتحمل تكاليف زواج شقيقيها، ولم تنجب منه.
وعن مدينة طوخ فلم يختلف الأمر كثيرا، حيث زوج كهربائي نجلته “أنعام” ” 16 سنة ” الى نجل خالها ، ورافقته في بلدته التي تبعد 5 كيلومترات.
وقالت أنعام، تركت المدرسة وأصدقائي وأسرتي، لم أكن سعيدة ولكن لم يكن لدي خيار سوى قبول الأمر، وفي غضون شهر، أصبحت حاملاً، وليس لدي أي معرفة عن الحمل إلا بالصدفة، الأمر الذي جعلني أبكي لأن ليس لدي أي معلومة” كيف اصبح أم لطفل او طفلة و أنا مازلت طفلة”.
وأضافت، تعرضت إلى المخاطر من جراء الحمل المبكر “حملت بعد فترة وجيزة من زواجي، وكدت أموت بسبب المضاعفات المرتبطة بالحمل ، فقد كنت أعاني من طول مدة الولادة أثناء عملية المخاض، بالفعل كنت أموت يوميا.
ففي مدينة القناطر الخيرية قالت مريم صاحبة 16 عاما، أن أباها زوجها من شيخ كبير 61 عاما وذهبنا إلى شقة بالمدينة وتركنى أبي وإخوتي معه بمفردي وقتها شعرت بالخوف ورحت أجرى ناحية الباب وأنادي على والدي وإخوتي، إلا إن أحداً لم يرد على، واستمر هذا الزواج حوالى شهرين وأعادنى إلى أبى ودفع له المؤخر الذى اتفقا عليه وهو 20 ألف جنيه وطلقني، وبعد أقل من أربعة أشهر جاء أحد المحامين إلى والدي وعرض عليه أن يزوجنى إلى أحد رجال دولة خليجية على أن يدفع لى مهر 30 ألف جنيه، ومؤخر 20 ألف جنيه، ووافق أبى للمرة الثانية، ورغم أننا ميسورى الحال إلا أننى لا أعرف لماذا كان أبى يبيعنى لهؤلاء الرجال الكبار فى السن، وتزوجت الرجل الذى يكبرنى ولم يستمر هذا الزواج أكثر من أسبوعين لأننى “قرفت” منه ومن نفسى وكنت أهرب كل يوم وأذهب إلى بيت أبى ويعيدني أبى إليه مرة أخرى حتى شعر بالزهق منى فطلقني، وطبعاً دفع “المعلوم”.
الطب النفسي والأسري
الدكتورة اسماء جبريل، استشاري نفسي وأسري، قالت إن زواج القاصرات له تأثيرات كبيرة وسلبية على الصحة النفسية والجسدية للبنات القاصرات، يرجع ذلك إلى عدة عوامل مرتبطة بالنضج غير المكتمل والخبرات الحياتية المحدوده، هنا تنتج بعض الآثار البارزة مثل التأثيرات النفسية، كالضغط النفسي والاكتئاب، القاصرات غالبا يواجهن ضغط نفسي شديد نتيجة تحمل مسؤوليات أكبر من السن، مثل الزواج وإدارة بيت ، وهذا يؤدي إلى شعور بالانعزال والاكتئاب.
ومن ضمن تلك التأثيرات، القلق والتوتر، عدم الاستعداد النفسي والعاطفي للعلاقة الزوجية يسبب قلق وتوتر مستمر، خاصة لو كان فيه توقعات غير واقعية من الزوج أو المجتمع.
وكذلك العنف النفسي والجسدي، القاصرات يتعرضن للعنف من الأزواج نتيجة فرق السن أو الخبرة ، مايسبب آثار نفسية طويلة المدى مثل ضعف الثقة بالنفس والشعور بعدم الأمان.
ثانيا: التأثيرات الجسدية، مثل مخاطر الحمل المبكر، فالحمل في سن صغير يؤثر على صحة البنت بشكل كبير بسبب عدم اكتمال نمو جسمها لتتحمل الحمل والولادة مما يؤدي إلي مضاعفات صحية مثل الانيميا أو النزيف .
وكذلك الأمراض الناتجة عن العلاقات الجنسية المبكرة، القاصرات أكثر عرضة للإصابة بأمراض منقولة جنسيا .
أيضا الارهاق الجسدي، الاعمال المنزلية أو رعاية الأطفال في سن صغير ، يسبب ارهاق مستمر وتدهور في الحالة الصحية العامة .
ثالثا: التأثيرات الاجتماعية والتعليمية، منها الحرمان من التعليم، فالزواج في سن مبكر غالبا يمنع القاصرات من اكتمال التعليم، مما ينتج عنه الحدة في فرص بناء مستقبل أفضل.
المجلس القومي للمرأة
ومن جانبها ، قالت الدكتورة “جيهان جادو” عضو المجلس القومي للمرأة، فبرغم كل القوانين المجرمة والتي تناهض فكرة أو ظاهرة زواج القاصرات إلا أن هذه الظاهرة مازالت متواجدة بكثرة وتختلف من مكان إلى أخر ومن دول إلى أخرى في النسب متفاوتة من حيث درجة الوعي واختلاف العادات والتقاليد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أيضا التي تحيط بمجتمعاتنا العربية، فنجد على سبيل المثال في الحضر تقل تلك النسب لأن درجة الوعي لدى الأبوين وايضا العوامل الاقتصادية المرتبطة بارتفاع تكاليف الزواج الباهظة وأيضا ظروف العمل القاسية تجد بعض الشيء من هذه الظاهرة، إلا أن الوضع في الريف وأيضا في صعيد مصر ما زالت ظاهرة زواج القاصرات متواجدة بكثرة لأن فكرة ارتباط الفتيات بالزواج من أساسيات الحياة الاجتماعية في الأسر تفضل زواج الفتاة على ان تتلقى التعليم وطبعا ذلك يختلف من أسرة لأسرة أخرى وتبعا للظروف الاقتصادية لها.
لذلك على المجتمع مسؤولية كبيرة تجاه الوعي بأضرار تلك الظاهرة لأنها في حقيقة الأمر هي طمس للطفولة وأيضا ينتج عنها أضرار كبيرة سواء صحية أو نفسية للفتاة التي تجد نفسها في سن صغيرة جدا أم ومسؤولة عن أسرة وزوج دون وعيها الكامل بفكرة الزواج وتحمل تلك المسؤولية، وعلى المشرع القانوني أن يصدر قوانين مشددة لتجريم فكرة زواج القاصرات وأيضا تباعا من الأزهر والكنيسة والمؤسسات الدينية لإلقاء الضوء وتوعية الأسر بخطورة هذه الظاهرة.